كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)

أَصْلاً وَرَبُّ الْمَال يَدَّعِي دَفْعَ الْمَال إِِلَيْهِ مُضَارَبَةً فَالْقَوْل قَوْل الْمُضَارِبِ، لأَِنَّ رَبَّ الْمَال يَدَّعِي عَلَيْهِ قَبْضَ مَالِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَكَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ، وَلَوْ جَحَدَ ثُمَّ أَقَرَّ. فَرَوَى ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلَهُ فِي رَجُلٍ دَفَعَ إِِلَى رَجُلٍ مَالاً مُضَارَبَةً ثُمَّ طَلَبَهُ مِنْهُ فَقَال: لَمْ تَدْفَعْ إِِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ قَال: بَلَى أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ قَدْ دَفَعْتَ إِِلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً. هُوَ ضَامِنٌ لِلْمَال، لأَِنَّهُ أَمِينٌ وَالأَْمِينُ إِِذَا جَحَدَ الأَْمَانَةَ ضَمِنَ كَالْمُودَعِ، وَهَذَا لأَِنَّ عَقْدَ الْمُضَارَبَةِ لَيْسَ بِعَقْدٍ لاَزِمٍ، بَل هُوَ عَقْدٌ جَائِزٌ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ، فَكَانَ جُحُودُهُ فَسْخًا لَهُ أَوْ رَفْعًا لَهُ، وَإِِِذَا ارْتَفَعَ الْعَقْدُ صَارَ الْمَال مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَإِِِنِ اشْتَرَى بِهِ مَعَ الْجُحُودِ كَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ لأَِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَال فَلاَ يَبْقَى حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ، لأَِنَّ مِنْ حُكْمِ الْمُضَارِبِ أَنْ يَكُونَ الْمَال أَمَانَةً فِي يَدِهِ، فَإِِِذَا صَارَ ضَمِينًا لَمْ يَبْقَ أَمِينًا، فَإِِِنْ أَقَرَّ بَعْدَ الْجُحُودِ لاَ يَرْتَفِعُ الضَّمَانُ، لأَِنَّ الْعَقْدَ قَدِ ارْتَفَعَ بِالْجُحُودِ فَلاَ يَعُودُ إِِلاَّ بِسَبَبِ جَدِيدٍ (1) .

رَابِعًا - اخْتِلاَفُ رَبِّ الْمَال وَالْمُضَارِبِ فِي كَوْنِ مَا اشْتُرِيَ لِلْمُضَارَبَةِ أَوْ لِلْعَامِل
63 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِِلَى أَنَّ الْعَامِل إِِنْ قَال: اشْتَرَيْتُ هَذِهِ السِّلْعَةَ لِنَفْسِي، وَقَال رَبُّ
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 110 - 111.
الْمَال: اشْتَرَيْتَهَا لِلْمُضَارَبَةِ، أَوْ قَال الْعَامِل: اشْتَرَيْتُهَا لِلْمُضَارَبَةِ، وَقَال رَبُّ الْمَال: بَل لِنَفْسِكَ. فَالْقَوْل قَوْل الْعَامِل، لأَِنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ وَقَدْ يَشْتَرِي لِلْمُضَارَبَةِ وَلاَ يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا عَنِ الآْخَرِ إِِلاَّ بِالنِّيَّةِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِِلَيْهِ، وَلأَِنَّ الاِخْتِلاَفَ هُنَا فِي نِيَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَكَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ فِيمَا نَوَاهُ.
وَفَرَّقَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَال: إِِذَا قَال الْعَامِل: اشْتَرَيْتُ هَذَا لِلْمُضَارَبَةِ، فَقَال الْمَالِكُ: بَل لِنَفْسِكَ. فَالْقَوْل قَوْل الْعَامِل عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفِي قَوْلٍ: قَوْل الْمَالِكِ، لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ وُقُوعِهِ عَنِ الْمُضَارَبَةِ، وَلَوْ قَال الْعَامِل: اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي، فَقَال الْمَالِكُ: بَل لِلْمُضَارَبَةِ. صُدِّقَ الْعَامِل بِيَمِينِهِ قَطْعًا.
وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يُصَدَّقُ الْعَامِل فِي قَوْلِهِ: اشْتَرَيْتُ هَذَا الشَّيْءَ لِلْمُضَارَبَةِ وَإِِِنْ كَانَ خَاسِرًا، أَوْ لِي وَإِِِنْ كَانَ رَابِحًا، لأَِنَّهُ مَأْمُونٌ وَهُوَ أَعْرَفُ بِقَصْدِهِ، وَلأَِنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ فِي يَدِهِ.
وَقَال: مَحَل قَبُول قَوْلِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ إِِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الذِّمَّةِ لأَِنَّ التَّعْوِيل فِيهِ عَلَى النِّيَّةِ، أَمَّا إِِذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ وَأَقَامَ الْمَالِكُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِعَيْنِ مَال الْمُضَارَبَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: رَجَّحَ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْهُمَا أَنَّهُ يَبْطُل الْعَقْدُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْفَارِقِيُّ وَغَيْرُهُمْ.

الصفحة 85