كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ الأَْذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لأَِنَّهُ قَدْ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ بِمَال الْمُضَارَبَةِ عُدْوَانًا، وَرَجَّحَ صَاحِبُ الأَْنْوَارِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهِ لِلْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ قَال: قَال الإِِِْمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ: كُل شِرَاءٍ وَقَعَ بِمَال الْمُضَارَبَةِ لاَ شَكَّ فِي وُقُوعِهِ لَهَا وَلاَ أَثَرَ لِنِيَّةِ الْعَامِل، لإِِِِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الشِّرَاءِ.
ثُمَّ قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَالْقَوْل بِالْبُطْلاَنِ أَوْجَهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ مَنْ دَفَعَ إِِلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى دَابَّةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُل عِنْدَ الشِّرَاءِ إِِنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلْمُضَارَبَةِ، فَلَمَّا قَبَضَهَا قَال: اشْتَرَيْتُهَا وَأَنَا أَنْوِي أَنْ تَكُونَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَال فَقَال: اشْتَرَيْتَهَا لِنَفْسِكَ، هَل يُصَدَّقُ الْمُضَارِبُ فِيمَا قَال؟ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لاَ تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إِِمَّا أَنْ يَكُونَ مَال الْمُضَارَبَةِ وَالدَّابَّةِ قَائِمَيْنِ وَقْتَ إِِقْرَارِ الْمُضَارِبِ، أَوْ كَانَا هَالِكَيْنِ، أَوْ كَانَتِ الدَّابَّةُ قَائِمَةً وَمَال الْمُضَارَبَةِ هَالِكًا، أَوْ كَانَ مَال الْمُضَارَبَةِ قَائِمًا وَالدَّابَّةُ هَالِكَةً. فَفِي الْوَجْهِ الأَْوَّل: الْقَوْل قَوْل الْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِِِنْ هَلَكَ مَال الْمُضَارَبَةِ فِي يَدِهِ قَبْل التَّسْلِيمِ إِِلَى الْبَائِعِ فَإِِِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَال بِثَمَنِهِ وَيُسَلِّمُهُ إِِلَى الْبَائِعِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي:. لاَ يُصَدَّقُ
__________
(1) المهذب 1 / 389، وروضة الطالبين 5 / 146، ومغني المحتاج 2 / 321، وكشاف القناع 3 / 523، والمغني 5 / 76.
الْمُضَارِبُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ لِلْبَائِعِ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى رَبِّ الْمَال بِشَيْءِ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَفِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ: ذَكَرَ أَنَّ الْمُضَارِبَ يُصَدَّقُ عَلَى رَبِّ الْمَال فِي حَقِّ تَسْلِيمِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ رَأْسِ مَال الْمُضَارَبَةِ إِِلَى الْبَائِعِ، وَإِِِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى رَبِّ الْمَال بِأَلْفٍ آخَرَ فَإِِِنَّهُ لاَ يَكُونُ مُصَدَّقًا.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ اشْتَرَى الدَّابَّةَ بِأَلْفِ الْمُضَارَبَةِ، ثُمَّ نَقَدَ ثَمَنَهَا مِنْ مَال نَفْسِهِ، وَقَال اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي، وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْمَال فَالْقَوْل قَوْل رَبِّ الْمَال، وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ أَلْفَ الْمُضَارَبَةِ قِصَاصًا بِمَا أَدَّاهُ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الدَّابَّةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يُسَمِّ مُضَارَبَةً وَلاَ غَيْرَهَا، ثُمَّ قَال اشْتَرَيْتُهَا لِنَفْسِي فَالْقَوْل قَوْلُهُ.
وَإِِِنِ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْ لِلْمُضَارِبِ نِيَّةٌ وَقْتَ الشِّرَاءِ، فَعَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ يَحْكُمُ النَّقْدُ إِِنْ نَقَدَ مِنْ مَال الْمُضَارِبِ كَانَ الشِّرَاءُ لِلْمُضَارَبَةِ، وَإِِِنْ نَقَدَ مِنْ مَالِهِ كَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ الشِّرَاءُ وَاقِعًا لِلْمُضَارِبِ نَقَدَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَال الْمُضَارِبِ، كَمَا فِي الْوَكِيل الْخَاصِّ (1) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 4 / 322 - 323، وانظر روضة القضاة للسمناني 5 / 595 - 596.
الصفحة 86