كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
بَعْدَهُ، قَال الدُّسُوقِيُّ: أَيْ فِي كَوْنِ رَأْسِ الْمَال هُوَ الْبَاقِيَ، وَلاَ يُجْبَرُ ذَلِكَ بِالرِّبْحِ وَيُتْبَعُ الآْخِذُ بِمَا أَخَذَهُ وَالْجَانِي بِمَا جَنَى عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ: لَوْ تَلِفَ بَعْضُ مَال الْمُضَارَبَةِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَحَرْقِ وَغَرَقٍ أَوْ بِغَصْبِ أَوْ سَرِقَةٍ، وَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ أَوْ أَخْذُ بَدَلِهِ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِل فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَهُوَ مَحْسُوبٌ مِنَ الرِّبْحِ لأَِنَّهُ نَقْصٌ حَصَل فَأَشْبَهَ نَقْصَ الْعَيْبِ وَالْمَرَضِ.
وَفِي مُقَابِل الأَْصَحِّ: لاَ يُحْسَبُ مِنَ الرِّبْحِ، لأَِنَّهُ نَقْصٌ لاَ تَعَلُّقَ لَهُ بِتَصَرُّفِ الْعَامِل وَتِجَارَتِهِ بِخِلاَفِ الْحَاصِل بِالرُّخْصِ فَلَيْسَ نَاشِئًا مِنْ نَفْسِ الْمَال، بِخِلاَفِ الْمَرَضِ وَالْعَيْبِ.
وَإِِِنْ تَلِفَ بِمَا ذُكِرَ قَبْل تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ فَيُحْسَبُ مَا تَلِفَ مِنْ رَأْسِ الْمَال لاَ مِنَ الرِّبْحِ فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَل، وَالثَّانِي: مِنَ الرِّبْحِ لأَِنَّهُ بِقَبْضِ الْعَامِل صَارَ مَال مُضَارَبَةٍ.
وَلَوْ تَلِفَ مَال الْمُضَارَبَةِ كُلُّهُ ارْتَفَعَتِ الْمُضَارَبَةُ، سَوَاءٌ أَتَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَمْ بِإِِِتْلاَفِ الْمَالِكِ أَمِ الْعَامِل أَمْ أَجْنَبِيٍّ، لَكِنْ يَسْتَقِرُّ نَصِيبُ
__________
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 528 - 529، وشرح الزرقاني وحاشية البناني 6 / 225 - 226، وبلغة السالك والشرح الصغير 3 / 697، وشرح الخرشي 4 / 431.
الْعَامِل مِنَ الرِّبْحِ فِي حَالَةِ إِِتْلاَفِ الْمَالِكِ، وَتَبْقَى الْمُضَارَبَةُ فِي الْبَدَل إِِنْ أَخَذَهُ فِي حَالَةِ إِِتْلاَفِ الأَْجْنَبِيِّ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِِنْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ مَال الْمُضَارَبَةِ قَبْل تَصَرُّفِ الْعَامِل فِيهِ انْفَسَخَتِ الْمُضَارَبَةُ فِي التَّالِفِ، وَكَانَ رَأْسُ الْمَال هُوَ الْبَاقِيَ خَاصَّةً، لأَِنَّهُ مَالٌ هَلَكَ عَلَى جِهَتِهِ قَبْل التَّصَرُّفِ أَشْبَهَ التَّالِفَ قَبْل الْقَبْضِ، وَفَارَقَ مَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ لأَِنَّهُ دَارَ فِي التِّجَارَةِ.
وَإِِِنْ تَلِفَ الْمَال قَبْل التَّصَرُّفِ ثُمَّ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ سِلْعَةً فِي ذِمَّتِهِ لِلْمُضَارَبَةِ فَهِيَ لَهُ وَثَمَنُهَا عَلَيْهِ، سَوَاءٌ عَلِمَ تَلَفَ الْمَال قَبْل نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ جَهِلَهُ، لأَِنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْمُضَارَبَةِ لاِنْفِسَاخِهَا بِالتَّلَفِ فَاخْتَصَتْ بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْمُضَارَبَةِ لَكَانَ مُسْتَدِينًا عَلَى غَيْرِهِ، وَالاِسْتِدَانَةُ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِِذْنِهِ لاَ تَجُوزُ، إِِلاَ أَنْ يَجْبُرَهُ رَبُّ الْمَال فَيَكُونَ لَهُ.
وَإِِنْ تَلِفَ مَال الْمُضَارَبَةِ بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْل نَقْدِ الثَّمَنِ بِأَنِ اشْتَرَى لِلْمُضَارَبَةِ سِلْعَةً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ تَلِفَ مَال الْمُضَارَبَةِ قَبْل إِِقْبَاضِهِ، أَوْ تَلِفَ مَال الْمُضَارَبَةِ وَالسِّلْعَةُ، فَالْمُضَارَبَةُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا، لأَِنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّلَفُ وَلَمْ يُوجَدَّ حِينَ الشِّرَاءِ وَلاَ قَبْلَهُ، وَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَال لأَِنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 319، ونهاية المحتاج 5 / 236.
الصفحة 95