كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 39)

بِالْمَعْرُوفِ وَالإِْحْسَانِ حَبْسُهُمَا بِالدَّيْنِ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ الْوَالِدُ مِنَ الإِْنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَحْبِسُهُ، لَكِنْ تَعْزِيرًا لاَ حَبْسًا بِالدَّيْنِ.
وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيُحْبَسُ بِدَيْنِ الْوَالِدِ، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْحَبْسِ حَقُّ الْوَالِدَيْنِ.
وَكَذَا سَائِرُ الأَْقَارِبِ، يُحْبَسُ الْمَدْيُونُ بِدَيْنِ قَرِيبِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ.
وَيَسْتَوِي فِي الْحَبْسِ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ، لأَِنَّ الْمُوجِبَ لِلْحَبْسِ لاَ يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالأُْنُوثَةِ.
وَيُحْبَسُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ قَضَاءُ دَيْنِهِ، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ الظُّلْمُ بِسَبِيلٍ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ صَارَ بِالتَّأْخِيرِ ظَالِمًا، فَيُحْبَسُ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ فَيَنْدَفِعَ الظُّلْمُ.
لَكِنْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُحْبَسُ الْجَدُّ بِدَيْنِ وَلَدِ وَلَدِهِ، لأَِنَّ حَقَّهُ دُونَ حَقِّ الأَْبِ (1) .

10 - وَإِذَا حَبَسَ الْحَاكِمُ الْمَدِينَ وَأَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ عَنِ الْوَفَاءِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْحَاكِمُ بِهِ. قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى يَسَارِهِ
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 173، وجواهر الإكليل 2 / 93، ومغني المحتاج 2 / 156.
أَبَّدَ الْحَاكِمُ حَبْسَهُ لِظُلْمِهِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُضْرَبُ مَعْلُومُ الْمِلاَءِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي الْعَدَدِ بِمَجْلِسِ أَوْ مَجَالِسَ، وَلَوْ أَدَّى إِلَى إِتْلاَفِهِ لِظُلْمِهِ بِاللَّدَدِ دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الْحَاكِمُ إِتْلاَفَهُ، أَمَّا لَوْ ضَرَبَهُ قَاصِدًا إِتْلاَفَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ، قَالُوا: وَلاَ يَبِيعُ مَالَهُ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنِ امْتَنَعَ الْمُوسِرُ مِنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الأَْدَاءِ وَكَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ - وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ - وَفَّى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَالَهُ - وَإِنْ كَانَ الْمَال فِي غَيْرِ مَحِل وِلاَيَتِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْقَمُولِيُّ - أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الْبَيْعِ بِالتَّعْزِيرِ بِحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَال: " إِنَّ الأُْسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ أَنْ يُقَال: سَبَقَ الْحَاجَّ، إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ دَانَ مُعْرِضًا، فَأَصْبَحَ قَدْ رِينَ بِهِ، فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا بِالْغَدَاةِ نَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ " (3) .
وَلَوِ الْتَمَسَ الْغَرِيمُ مِنَ الْحَاكِمِ الْحَجْرَ عَلَى
__________
(1) الاختيار 2 / 90.
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 279، وجواهر الإكليل 2 / 92.
(3) أثر عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: " إن الأسيفع. . . ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 770 - ط الحلبي) .

الصفحة 16