كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 39)
الْخَطَأِ فَالْقَوْل قَوْل الْمَطْلُوبِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي آدَابِ الْقَاضِي أَنَّهُ إِنْ وَجَبَ الدَّيْنُ عِوَضًا عَنْ مَالٍ سَالِمٍ لِلْمُشْتَرِي، نَحْوُ ثَمَنِ الْمَبِيعِ الَّذِي سَلَّمَ لَهُ الْمَبِيعَ وَالْقَرْضَ وَالْغَصْبَ وَالسَّلَمَ الَّذِي أَخَذَ الْمُسْلَمُ إِلَيْهِ رَأْسَ الْمَال فَالْقَوْل قَوْل الطَّالِبِ، وَكُل دَيْنٍ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ أَصْلاً كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، أَوْ لَهُ عِوَضٌ لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَبَدَل الْخُلْعِ وَبَدَل الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْكَفَالَةِ فَالْقَوْل قَوْل الْمَطْلُوبِ.
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ:
قَال بَعْضُهُمْ: الْقَوْل قَوْل الْمَطْلُوبِ عَلَى كُل حَالٍ وَلاَ يُحْبَسُ، لأَِنَّ الْفَقْرَ أَصْلٌ فِي بَنِي آدَمَ وَالْغِنَى عَارِضٌ، فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمَطْلُوبِ، فَكَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: الْقَوْل قَوْل الطَّالِبِ عَلَى كُل حَالٍ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ وَاللِّسَانُ (1) .
وَقَال بَعْضُهُمْ: يُحَكَّمُ زِيُّهُ: إِذَا كَانَ زِيُّهُ زِيَّ
__________
(1) حديث: " لصاحب الحق اليد واللسان ". أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء (6 / 2281) من حديث أبي عيينة الخولاني رضي الله عنه وضعف أحد رواته واستنكر له هذا الحديث، ويدل عليه ما أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: " إن لصاحب الحق مقالاً " (فتح الباري 5 / 56 ط السلفية) ومسلم (3 / 1225 ط عيسى الحلبي) .
الأَْغْنِيَاءِ فَالْقَوْل قَوْل الطَّالِبِ، وَإِنْ كَانَ زِيُّهُ زِيَّ الْفُقَرَاءِ فَالْقَوْل قَوْل الْمَطْلُوبِ.
وَعَنْ أَبِي جَعْفَرَ الْهِنْدَوَانِيِّ أَنَّهُ يُحَكَّمُ زِيُّهُ فَيُؤْخَذُ بِحُكْمِهِ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، إِلاَّ إِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَوِ الْعَلَوِيَّةِ أَوِ الأَْشْرَافِ، لأَِنَّ مِنْ عَادَاتِهِمُ التَّكَلُّفَ فِي اللِّبَاسِ وَالتَّجَمُّل بِدُونِ الْغِنَى، فَيَكُونُ الْقَوْل قَوْل الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ (1) .
وَوَجْهُ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَوْل فِي الشَّرْعِ قَوْل مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ، فَإِذَا وَجَبَ الدَّيْنُ بَدَلاً عَنْ مَالٍ سُلِّمَ لَهُ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ، لأَِنَّهُ ثَبَتَتْ قُدْرَةُ الْمَطْلُوبِ بِسَلاَمَةِ الْمَال، وَكَذَا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لاَ تَجِبُ إِلاَّ عَلَى الْغَنِيِّ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ.
وَوَجْهُ قَوْل مُحَمَّدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لِلطَّالِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الدَّلاَلَةِ، وَهُوَ إِقْدَامُهُ عَلَى الْمُعَاقَدَةِ، فَإِنَّ الإِْقْدَامَ عَلَى التَّزَوُّجِ دَلِيل الْقُدْرَةِ، إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يَتَزَوَّجُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ، وَلاَ يَتَزَوَّجُ أَيْضًا حَتَّى يَكُونَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمَهْرِ، وَكَذَا الإِْقْدَامُ عَلَى الْخُلْعِ لأَِنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تُخَالِعُ عَادَةً حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهَا شَيْءٌ، وَكَذَا الصُّلْحُ لاَ يُقْدِمُ الإِْنْسَانُ عَلَيْهِ إِلاَّ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، فَكَانَ
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 173 - 174.
الصفحة 18
488