كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 40)
تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ السَّارِقِينَ مِنَ الْقَطْعِ وَغَيْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ.
الْقَوْل الأَْوَّل: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَنَّ النَّبَّاشَ يُعْتَبَرُ سَارِقًا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ السَّارِقِينَ، فَتُقْطَعُ يَدُهُ إِذَا سَرَقَ مِنْ أَكْفَانِ الْمَوْتَى مَا يَبْلُغُ نِصَابَ السَّرِقَةِ؛ لأَِنَّ الْكَفَنَ مَالٌ مُتَقَوَّمٌ سُرِقَ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ وَهُوَ الْقَبْرُ، فَكَمَا أَنَّ الْبَيْتَ الْمُغْلَقَ فِي الْعُمْرَانِ يُعْتَبَرُ حِرْزًا لِمَا فِيهِ عَادَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ، فَإِنَّ الْقَبْرَ يُعْتَبَرُ عَادَةً حِرْزًا لِكَفَنِ الْمَيِّتِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1) حَيْثُ إِنَّ اسْمَ السَّرِقَةِ يَشْمَل النَّبَّاشَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِنَّهَا قَالَتْ: " سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا " (2) . وَعَنْ يَحْيَى النَّسَائِيِّ قَال:
__________
(1) سُورَة الْمَائِدَة / 38.
(2) أثر عائشة رضي الله عنها أخرجه البيهقي في معرفة السنن (12 / 409 - ط دار الوعي حلب) وأخرجه ابن أبي شيبة (10 / 34 ط الدار السلفية) موقوفا على إبراهيم، والشعبي ونصه (يقطع سارق أمواتنا كما يقطع سارق أحيائنا) .
كَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي النَّبَّاشِ فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّهُ سَارِقٌ.
وَلِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ وَمَنْ نَبَشَ قَطَعْنَاهُ " (1) قَالُوا: وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سَرَقَ مَالاً كَامِل الْمِقْدَارِ مِنْ حِرْزٍ لاَ شُبْهَةَ فِيهِ فَتُقْطَعُ يَدُهُ كَمَا لَوْ سَرَقَ لِبَاسَ الْحَيِّ، لأََنَّ الآْدَمِيَّ مُحْتَرَمٌ حَيًّا وَمَيْتًا؛ وَلأَِنَّ السَّرِقَةَ أَخْذُ الْمَال عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مِنَ النَّبَّاشِ وَهَذَا الثَّوْبُ - الْكَفَنُ - كَانَ مَالاً قَبْل أَنْ يَلْبَسَهُ الْمَيِّتُ فَلاَ تَخْتَل صِفَةُ الْمَالِيَّةِ فِيهِ بِلُبْسِ الْمَيِّتِ، فَأَمَّا الْحِرْزُ فَلأَِنَّ النَّاسَ تَعَارَفُوا مُنْذُ وُلِدُوا إِحْرَازَ الأَْكْفَانِ بِالْقُبُورِ وَلاَ يُحْرِزُونَهَا بِأَحْصَنَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَكَانَ حِرْزًا مُتَعَيِّنًا لَهُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ النَّاسِ، وَلاَ يَبْقَى فِي إِحْرَازِهِ شُبْهَةٌ، لَمَّا كَانَ لاَ يُحْرَزُ بِأَحْصَنَ مِنْهُ عَادَةً (2) . وَلأَِنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَطْعِ الْمُخْتَفِي (3) قَال الأَْصْمَعِيُّ: وَأَهْل الْحِجَازِ
__________
(1) حديث: " من حرق حرقناه. . . ". أخرجه البيهقي في معرفة السنن (12 / 409، 410 ط دار الوعي حلب) من حديث البراء - رضي الله عنه - ثم قال: في الإسناد بعض من يجهل.
(2) المبسوط للسرخسي 9 / 159، 161، والبحر الرائق 5 / 60، وفتح القدير 5 / 137، والدسوقي 4 / 340، والحاوي الكبير 17 / 184 وما بعدها، ومغني المحتاج 4 / 196، وكشاف القناع 6 / 138
(3) حديث: " أنه أمر بقطع المختفي ". لم نقف عليه مرفوعا ولكن ورد موقوفا على عمر بن عبد العزيز ولفظه عن معمر قال: (بلغني أن عمر بن عبد العزيز قطع نباشا) أخرجه ابن أبي شيبة (10 / 34 ط الدار السلفية) .
الصفحة 19
440