كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)

فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْمُبْتَدِأَةِ بِالْحَبَل، وَبَيْنَ مَنْ لَهَا عَادَةٌ فِي النِّفَاسِ:
فَأَمَّا الْمُبْتَدِأَةُ بِالْحَبَل - وَهِيَ الَّتِي حَبِلَتْ مِنْ زَوْجِهَا قَبْل أَنْ تَحِيضَ - إِذَا وَلَدَتْ فَرَأَتِ الدَّمَ زِيَادَةً عَلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ؛ لأَِنَّ الأَْرْبَعِينَ لِلنُّفَسَاءِ كَالْعَشَرَةِ لِلْحَيْضِ، ثُمَّ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضِ اسْتِحَاضَةٌ، فَكَذَا الزِّيَادَةُ عَلَى الأَْرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ.
وَأَمَّا صَاحِبَةُ الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ إِذَا رَأَتْ زِيَادَةً عَلَى عَادَتِهَا: فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَرْبَعِينَ فَالزِّيَادَةُ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الأَْرْبَعِينَ فَمَا زَادَ يَكُونُ نِفَاسًا إِلَى الأَْرْبَعِينَ، فَإِنْ زَادَ عَلَى الأَْرْبَعِينَ تُرَدُّ إِلَى عَادَتِهَا، فَتَكُونُ عَادَتُهَا نِفَاسًا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يَكُونُ اسْتِحَاضَةً (1) .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَيَرَوْنَ أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ إِنْ زَادَ عَنِ السِّتِّينَ يَوْمًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ فِي الزِّيَادَةِ، خِلاَفًا لِمَا فِي الإِْرْشَادِ، فَإِنَّهَا تُعَوِّل عَلَى عَادَتِهِ (2) .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ: فَقَدْ جَاءَ فِي الْمَجْمُوعِ: إِذَا عَبَرَ دَمُ النُّفَسَاءِ السِّتِّينَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْحَيْضِ إِذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إِلَى التَّمْيِيزِ إِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَوِ الْعَادَةِ إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، أَوِ الأَْقَل أَوِ الْغَالِبِ إِنْ
__________
(1) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ 1 / 42، 43.
(2) الْخُرَشِيُّ 1 / 210.
كَانَتْ مُبْتَدِأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي - حَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَالْمُتَوَلِّي، وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ - أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلاَثَةَ أَوْجُهٍ:

أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ كَالطَّرِيقِ الأَْوَّل.

وَالثَّانِي: أَنَّ السِّتِّينَ كُلَّهَا نِفَاسٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ اسْتِحَاضَةٌ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُ، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: قَالَهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ. وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّ الْحَيْضَ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ، فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِل عَنْهُ إِلَى ظَاهِرٍ آخَرَ، وَالنِّفَاسُ مَقْطُوعٌ بِهِ، فَلاَ يَنْتَقِل عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلاَّ بِيَقِينٍ، وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الأَْكْثَرِ، قَال الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا الْقَائِل يَجْعَل الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةً إِلَى تَمَامِ طُهْرِهَا الْمُعْتَادِ إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً أَوِ الْمَرْدُودِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَتْ مُبْتَدِأَةً ثُمَّ مَا بَعْدَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ السِّتِّينَ نِفَاسٌ، وَالَّذِي بَعْدَهُ حَيْضٌ عَلَى الاِتِّصَال بِهِ؛ لأَِنَّهُمَا دَمَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَجَازَ أَنْ يَتَّصِل أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ (1) .
__________
(1) الْمَجْمُوعُ 2 / 530.

الصفحة 11