كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)

وَالْفَقِيهُ بِدَقَائِقِ الْبَاطِنِ يَنْظُرُ إِلَى أَحْوَالِهِ، فَقَدْ يَقْتَضِي حَالُهُ دَوَامَ الصَّوْمِ وَقَدْ يَقْتَضِي دَوَامَ الْفِطْرِ وَقَدْ يَقْتَضِي مَزْجَ الإِْفْطَارِ بِالصَّوْمِ، وَإِذَا فَهِمَ الْمَعْنَى وَتَحَقَّقَ حَدَّهُ فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الآْخِرَةِ بِمُرَاقَبَةِ الْقَلْبِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ صَلاَحُ قَلْبِهِ، وَذَلِكَ لاَ يُوجَدُ تَرْتِيبًا مُسْتَمِرًّا، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُول: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُول: لاَ يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَل صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ (1) ، وَعَنْ أَنَسٍ: كَانَ لاَ تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْل مُصَلِّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ (2) ، وَكَانَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَنْكَشِفُ لَهُ بِنُورِ النُّبُوَّةِ مِنَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ الأَْوْقَاتِ (3) .
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَنْوَاعِ صِيَامِ النَّافِلَةِ وَمَا يُسْتَحَبُّ صِيَامُهُ مِنَ الأَْيَّامِ وَسَائِرِ الأَْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَوْضُوعِ (ر: صَوْمُ التَّطَوُّعِ مِنْ ف 7 - 17) .
__________
(1) حديث عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر. . . " أخرجه مسلم (2 / 810 ط عيسى الحلبي) .
(2) حديث: " كان لا تشاء تراه في الليل مصليًا. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 215 ط السلفية) .
(3) إحياء علوم الدين 1 / 238.
حَجُّ النَّفْل:
16 - حَجُّ النَّفْل مِنْ أَفْضَل الأَْعْمَال (1) ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: سُئِل رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْعَمَل أَفْضَل؟ فَقَال: " إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيل: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ، قِيل: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: حَجٌّ مَبْرُورٌ (2) .
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَلاَ نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ فَقَال: " لاَ، لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ " قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلاَ أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3) .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ حَجِّ النَّفْل وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ أَعْمَال الْبِرِّ فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: بِنَاءُ الرِّبَاطِ أَفْضَل مِنْ حَجِّ النَّفْل.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَحَجِّ النَّفْل:
__________
(1) هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك 1 / 8 ط دار البشائر، وانظر فتح الباري 3 / 446 ط دار الريان للتراث.
(2) حديث: " أي العمل أفضل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 77 ط السلفية) ومسلم (1 / 88 ط عيسى الحلبي) واللفظ للبخاري.
(3) حديث عائشة: " قلت: يا رسول الله ألا نغزو ونجاهد معكم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 72 ط السلفية) .

الصفحة 116