كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)

وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَبْدَأُ النِّفَاسُ مِنَ الأَْوَّل إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَل مِنْ سِتِّينَ يَوْمًا، فَتَبْنِي بَعْدَ وَضْعِ الثَّانِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ الأَْوَّل. هَذَا إِذَا لَمْ يَحْصُل لَهَا نَقَاءٌ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَإِنْ حَصَل لَهَا نَقَاءٌ، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ لَهُ نِفَاسًا لاِنْقِطَاعِ حُكْمِ النِّفَاسُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ.
فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتُّونَ فَأَكْثَرَ فَنِفَاسَانِ.
وَتَقَطُّعُ دَمِ النِّفَاسِ قَبْل طُهْرٍ تَامٍّ كَتَقَطُّعِ دَمِ الْحَيْضِ، فَتُلَفِّقُ مِنْ أَيَّامِ الدَّمِ سِتِّينَ يَوْمًا وَتُلْغِي أَيَّامَ الاِنْقِطَاعِ، وَتَغْتَسِل كُلَّمَا انْقَطَعَ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ.
وَمَحَل التَّلْفِيقِ مَا لَمْ يَأْتِ الدَّمُ بَعْدَ طُهْرٍ تَامٍّ وَإِلاَّ كَانَ حَيْضًا (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُعْتَبَرُ النِّفَاسُ مِنَ الْوَلَدِ الأَْوَّل؛ لأَِنَّهُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوِلاَدَةَ فَاعْتُبِرَتِ الْمُدَّةُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُمَا - الدَّمَيْنِ - نِفَاسٌ وَاحِدٌ، ابْتِدَاؤُهُ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ الأَْوَّل، فَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى سِتِّينَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَإِنْ وَضَعَتِ الثَّانِيَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّينَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَإِنْ وَضَعَتِ الثَّانِيَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ وَضَعَتِ الأَْوَّل، قَال جَمَاعَةٌ: كَانَ مَا رَأَتْهُ بَعْدَ الثَّانِي دَمَ فَسَادٍ، وَلَيْسَ بِنِفَاسٍ (2) .
__________
(1) حَاشِيَةُ الْخُرَشِيُّ 1 / 210.
(2) الْمَجْمُوعُ 2 / 526.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَأَوَّل النِّفَاسِ وَآخِرُهُ مِنِ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ الأَْوَّل فِي الْمَذْهَبِ كَمَا قَال الْمِرْدَاوِيُّ، لأَِنَّهُ دَمٌ خَرَجَ عَقِبَ الْوِلاَدَةِ، فَكَانَ نِفَاسًا وَاحِدًا كَحَمْلٍ وَاحِدٍ وَوَضْعِهِ، فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرَ فَلاَ نِفَاسَ لِلثَّانِي نَصًّا؛ لأَِنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ تَبَعٌ لِلأَْوَّل، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي آخِرِ النِّفَاسِ كَأَوَّلِهِ، بَل مَا خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ الثَّانِي بَعْدَ الأَْرْبَعِينَ مِنَ الأَْوَّل دَمُ فَسَادٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَصْلُحُ حَيْضًا وَلاَ نِفَاسًا (1) .

13 - الرَّأْيُ الثَّانِي: يَرَى أَنَّ النِّفَاسَ يَبْدَأُ مِنَ الْوَلَدِ الأَْخِيرِ:
وَهُوَ قَوْل مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَصَحُّ الأَْوْجُهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (2) .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النِّفَاسَ يَتَعَلَّقُ بِوَضْعِ مَا فِي الْبَطْنِ، فَيَتَعَلَّقُ بِالْوَلَدِ الأَْخِيرِ كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَهَذَا لأَِنَّهَا بَعْدُ حُبْلَى، وَكَمَا لاَ يُتَصَوَّرُ انْقِضَاءُ عِدَّةِ الْحَمْل بِدُونِ وَضْعِ الْحَمْل، لاَ يُتَصَوَّرُ وُجُودُ النِّفَاسِ مِنَ الْحُبْلَى؛ لأَِنَّ النِّفَاسَ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ، وَلأَِنَّ النِّفَاسَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَنَفُّسِ الرَّحِمِ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ عَلَى الْكَمَال إِلاَّ بِوَضْعِ الْوَلَدِ الثَّانِي، فَكَانَ الْمَوْجُودُ قَبْل وَضْعِ الثَّانِي نِفَاسًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلاَ تَسْقُطُ الصَّلاَةُ
__________
(1) كَشَّافُ الْقِنَاعِ 1 / 220، وَالإِْنْصَافُ 1 / 386.
(2) بَدَائِعُ الصَّنَائِعِ 1 / 43، وَالْمَجْمُوعُ 2 / 526، وَالْمُغْنِي 1 / 350، وَالإِْنْصَافُ 1 / 386.

الصفحة 13