كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)

عِنْدَ آخِرِ كُل سَنَةٍ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَضَيَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا مُخَالِفٌ، فَكَانَ فِي مَعْنَى الإِْجْمَاعِ (1) .
ب - نَقْدُ الثَّمَنِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ: يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، بَل يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الدَّفْعَ، لاِحْتِمَال الْفَسْخِ، وَيَجُوزَ لَهُ النَّقْدُ اخْتِيَارًا وَتَطَوُّعًا، وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مُبْطِلاً لِلْخِيَارِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِنْ شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي بَيْعِ الْخِيَارِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، أَيْ يُعَجِّلَهُ - يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لأَِنَّ مَا يَنْقُدُهُ يَكُونُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ سَلَفًا إِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ، أَوْ ثَمَنًا إِنْ لَمْ يُفْسَخْ، أَمَّا لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ تَطَوُّعًا دُونَ شَرْطٍ فَلاَ يَفْسُدُ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ صُوَرًا شَبِيهَةً بِهَذَا يَمْتَنِعُ فِيهَا شَرْطُ النَّقْدِ إِنْ تَرَدَّدَ الْمَنْقُودُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا أَوْ سَلَفًا، فَيُمْنَعُ لأَِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا احْتِمَالاً، مِنْهَا:
- مَا لَوْ أَكْرَى أَرْضَهُ لِلزِّرَاعَةِ، وَكَانَتْ مِمَّا لاَ يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ سَيَحْصُل لَهَا الرَّيُّ، بَل يُشَكُّ فِيهِ، كَالأَْرَاضِي الَّتِي تُسْقَى بِمَاءِ الْمَطَرِ،
__________
(1) ابن عابدين 5 / 411، والدسوقي 4 / 285، ونهاية المحتاج 7 / 301، والمغني مع الشرح الكبير 9 / 492.
لاِحْتِمَال أَنْ تُرْوَى فَيَكُونَ الْمَنْقُودُ كِرَاءً، أَوْ لاَ تُرْوَى فَيَكُونَ سَلَفًا.
- وَمِنْهَا: إِنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا مُعَيَّنًا، وَكَانَ لاَ يَشْرَعُ فِي الْعَمَل إِلاَّ بَعْدَ شَهْرٍ: فَإِنْ شَرَطَ نَقْدَ الأُْجْرَةِ فَسَدَتِ الإِْجَارَةُ، لاِحْتِمَال تَلَفِ الأَْجِيرِ الْمُعَيَّنِ، فَيَكُونَ سَلَفًا، أَوْ سَلاَمَتِهِ فَيَكُونَ أُجْرَةً.
وَيَمْتَنِعُ النَّقْدُ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ فِي كُل مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ، إِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ الْمِثْلِيُّ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ، وَذَكَرُوا لَهُ أَمْثِلَةً مِنْهَا: مَا لَوِ اكْتَرَى دَابَّةً، سَوَاءٌ كَانَتْ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، لِيَرْكَبَهَا مَثَلاً بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَلاَ يَجُوزُ النَّقْدُ فِي هَذِهِ مُطْلَقًا؛ لأَِنَّ الْكِرَاءَ إِذَا عَقَدَهُ بِانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَقَدْ فَسَخَ الْمُكْتَرِي الثَّمَنَ الَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمُكْرِي فِي شَيْءٍ لاَ يَتَعَجَّلُهُ الآْنَ بَل بِحَدِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ، لأَِنَّ قَبْضَ الأَْوَائِل لَيْسَ قَبْضًا لِلأَْوَاخِرِ (1) .
ج - الْجِعَالَةُ: يُمْتَنَعُ فِيهَا اشْتِرَاطُ نَقْدِ الْجُعْل، فَلَوْ شَرَطَ نَقْدَهُ فَسَدَ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (2) وَلَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ بِالشَّرْطِ بَل تَطَوَّعَ بِهِ، لاَ يَفْسُدُ.
وَانْظُرْ (جِعَالَة ف 24) .
__________
(1) فتح القدير 5 / 499، والفتاوى الهندية 3 / 42، والمغني 3 / 518، والدسوقي على الشرح الكبير 3 / 94، 96 - 98.
(2) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 96، ونهاية المحتاج 5 / 463.

الصفحة 141