كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)
يَحْصُل بِذَلِكَ غَلاَءُ الأَْقْوَاتِ وَالسِّلَعِ وَيَنْتَشِرَ الْفَقْرُ، وَلِتَحْصُل الطُّمَأْنِينَةُ لِلنَّاسِ بِالتَّمَتُّعِ بِثَبَاتِ قِيَمِ مَا حَصَّلُوهُ مِنَ النُّقُودِ بِجُهْدِهِمْ وَسَعْيِهِمْ وَاكْتِسَابِهِمْ؛ لِئَلاَّ تَذْهَبَ هَدْرًا وَيَقَعَ الْخَلَل وَالْفَسَادُ.
وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْخَلَل تَحْرِيمَ الإِْمَامِ لأَِنْوَاعٍ مِنَ النُّقُودِ فَعَلَيْهِ إِبْدَالُهَا لَهُمْ بِمَا يُسَاوِيهَا فِي الْقِيمَةِ، وَأَنْ يُتِيحَ لَهُمُ الْفُرْصَةَ الْكَافِيَةَ مِنَ الْوَقْتِ لإِِجْرَاءِ الاِسْتِبْدَال. وَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يَزِيدَ كَمِّيَّةَ الْمَضْرُوبِ الْجَدِيدِ مِنْهَا مِنْ أَجْل الرَّغْبَةِ فِي أَنْ يُحَصِّل لِبَيْتِ الْمَال دَخْلاً مِنْ ذَلِكَ. قَال الْبُهُوتِيِّ: قَال ابْنُ تَيْمِيَةَ: يَنْبَغِي أَنْ يَضْرِبَ الإِْمَامُ لِلرَّعَايَا فُلُوسًا تَكُونُ بِقَدْرِ الْعَدْل فِي مُعَامَلاَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ لَهُمْ، وَلاَ يَتَّجِرُ ذُو السُّلْطَانِ فِي الْفُلُوسِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ نُحَاسًا فَيَضْرِبَهُ فَيَتَّجِرَ فِيهِ، وَلاَ بِأَنْ يُحَرِّمَ عَلَيْهِمُ الْفُلُوسَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ وَيَضْرِبَ لَهُمْ غَيْرَهَا، بَل يَضْرِبَ النُّحَاسَ بِقِيمَتِهِ مِنْ غَيْرِ رِبْحٍ فِيهِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَيُعْطِيَ أُجْرَةَ الصُّنَّاعِ مِنْ بَيْتِ الْمَال، فَإِنَّ التِّجَارَةَ فِيهَا ظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَأَكْلٌ لأَِمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِل، فَإِنَّهُ إِذَا حَرَّمَ الْمُعَامَلَةَ صَارَتْ عَرْضًا، وَإِذَا ضَرَبَ لَهُمْ فُلُوسًا أُخْرَى أَفْسَدَ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الأَْمْوَال بِنَقْصِ أَسْعَارِهَا (1) . قَال: وَفِي السُّنَنِ عَنِ
__________
(1) كشاف القناع 2 / 232، وانظر مواهب الجليل للحطاب المالكي 4 / 342.
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ إِلاَّ مِنْ بَأْسٍ " (1) .
وَقَال ابْنُ الْقَيِّمِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الأَْثْمَانَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يَتَمَتَّعُ بِثَبَاتِ الْقِيمَةِ، لاَ يَرْتَفِعُ وَلاَ يَنْخَفِضُ، قَال: وَمِنْ أَجْل ذَلِكَ حُرِّمَ رِبَا الْفَضْل وَالنَّسَاءِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، إِذْ لَوْ أُبِيحَ ذَلِكَ فِيهِمَا لَكَانَا سِلَعًا تُقْصَدُ لأَِعْيَانِهَا، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى فَسَادِ أَمْرِ النَّاسِ (2) .
وَرَأَى الْمَقْرِيزِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي النُّقُودِ أَنَّ عِلاَجَ اضْطِرَابَاتِ الأَْسْعَارِ وَمَوْجَاتِ الْغَلاَءِ النَّاشِئَةِ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى قَاعِدَةِ اسْتِعْمَال النُّقُودِ الذَّهَبِيَّةِ وَالْفِضِّيَّةِ، وَأَنَّ فَسَادَ الأُْمُورِ الَّذِي حَصَل فِي زَمَنِهِ نَاشِئٌ عَنْ سُوءِ التَّدْبِيرِ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ الْخُرُوجُ عَنْ قَاعِدَةِ التَّعَامُل بِالذَّهَبِ إِلَى قَاعِدَةِ التَّعَامُل بِالْفُلُوسِ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي أَدَّى إِلَى تَفَاقُمِ مُشْكِلَةِ الأَْسْعَارِ، قَال فِي ذَلِكَ: اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْحَال فِي فَسَادِ الأُْمُورِ إِنَّمَا هُوَ سُوءُ التَّدْبِيرِ لاَ غَلاَءُ الأَْسْعَارِ. ثُمَّ قَال: فَلَوْ وَفَّقَ اللَّهُ مَنْ أَسْنَدَ إِلَيْهِ أَمْرَ عِبَادِهِ حَتَّى رُدَّتِ الْمُعَامَلاَتُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ بِالذَّهَبِ خَاصَّةً، وَرَدَّ قِيَمَ السِّلَعِ
__________
(1) حديث: " نهى عن كسر سكة المسلمين. . . ". سبق تخريجه ف 17
(2) إعلام الموقعين 2 / 156.
الصفحة 197