كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)

{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (1) } . مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل أَوْجَبَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ - وَهُوَ الزَّوْجُ - نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، فَيَكُونُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، كَرِزْقِ الْقَاضِي وَالْمُضَارِبِ (2) .
وَبِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَال: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " (3) ، فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِنْدًا بِأَنْ تَأْخُذَ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا مِنْ مَال زَوْجِهَا بِالْمَعْرُوفِ دُونَ أَنْ يُقَدِّرَ ذَلِكَ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ، وَالْمَعْرُوفُ هُوَ الْمُقَدَّرُ عُرْفًا بِالْكِفَايَةِ، فَدَل هَذَا عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُقَدَّرَةٌ بِكِفَايَتِهَا لاَ بِالشَّرْعِ.
وَبِمَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فِي
__________
(1) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 233
(2) الْبَدَائِعُ 4 / 21، وَالْمُغْنِي 9 / 232، وَنِهَايَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 188، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 5 / 46.
(3) حَدِيثُ: " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَتْحُ الْبَارِي 9 / 507 ط السَّلَفِيَّةِ) ، وَمُسْلِمٌ (3 / 1338) وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَال: " اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ. . . . وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (1) .
فَرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَيَّدَ النَّفَقَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الأَْزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ إِنَّمَا هُوَ الْكِفَايَةُ دُونَ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ مَا نَقَصَ عَنِ الْكِفَايَةِ فِيهِ إِضْرَارٌ بِالزَّوْجَةِ، فَلاَ يُعَدُّ مَعْرُوفًا وَكَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ يُعَدُّ سَرَفًا وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ؛ لِكَوْنِ السَّرَفِ مَمْقُوتًا، فَكَانَ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْكِفَايَةُ (2) .
وَبِقِيَاسِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ بِجَامِعِ أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِمِقْدَارٍ مُحَدَّدٍ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَتَكُونُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَقَالُوا: إِنَّ النَّفَقَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهَا مَحْبُوسَةً بِحَقِّ الزَّوْجِ مَمْنُوعَةً عَنِ الْكَسْبِ لِحَقِّهِ، فَكَانَ وُجُوبُهَا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ (3) .

الْقَوْل الثَّانِي: إِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارٍ مُحَدَّدٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
__________
(1) حَدِيثُ: " وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " سَبَقَ تَخْرِيجُهُ فِقْرَةُ 4.
(2) الْمُغْنِي 9 / 232.
(3) الْبَدَائِعُ 4 / 23.

الصفحة 40