كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)
فَإِنْ لَمْ يَفْعَل مَا سَبَقَ، فَرَضَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ نَفَقَتَهَا مِنْ حِينِ الْوَقْتِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْوُصُول إِلَيْهَا وَتَسَلُّمُهَا فِيهِ، لأَِنَّ الزَّوْجَ امْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا لإِِمْكَانِ ذَلِكَ وَبَذْلِهَا نَفْسَهَا لَهُ، فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُهَا كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَلأَِنَّ الزَّوْجَ بِامْتِنَاعِهِ عَنِ الْحُضُورِ لِتَسَلُّمِهَا يَكُونُ قَدْ تَرَكَ حَقَّهُ فِي ذَلِكَ، وَتَرْكُهُ لِحَقِّهِ لاَ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ لِزَوْجَتِهِ.
وَإِذَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا لَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ ثُمَّ غَابَ عَنْهَا بَعْدَ أَنْ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَسَلُّمِهَا فَالنَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْخِطَابِ: إِذَا سَافَرَ الزَّوْجُ قَبْل الدُّخُول فَطَلَبَتْ زَوْجَتُهُ النَّفَقَةَ فَلَهَا ذَلِكَ عَلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقِيل: لاَ نَفَقَةَ لَهَا إِذَا كَانَ قَرِيبًا لأَِنَّهَا لاَ نَفَقَةَ لَهَا حَتَّى تَدْعُوَهُ وَهِيَ لَمْ تَدْعُ قَبْل مَغِيبِهِ فَيُكْتَبُ لَهُ إِمَّا أَنْ يَبْنِيَ أَوْ أَنْ يُنْفِقَ، وَقِيل: لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ حِينِ تَدْعُو إِلَى الْبِنَاءِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى قُرْبٍ فَلَيْسَ عَلَيْهَا انْتِظَارُهُ وَهَذَا أَقْيَسُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إِذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهَا بَيْنَ قُرْبٍ وَلاَ بُعْدٍ (1) .
__________
(1) مواهب الجليل 4 / 182 - 183، والتاج والإكليل 4 / 200، وشرح الخرشي 4 / 199.
ثَانِيًا: نَفَقَةُ زَوْجَةِ الْغَائِبِ بَعْدَ الدُّخُول:
24 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ إِنْ كَانَ غَائِبًا.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ تَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ فِي مَالِهِ، حَاضِرًا كَانَ الْمَال أَوْ غَائِبًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِفَرْضِ الْقَاضِي لِلنَّفَقَةِ إِذَا طَلَبَتِ الزَّوْجَةُ أَمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ (1) . لِمَا وَرَدَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ (2) وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضًا لِلنَّفَقَةِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ غَائِبًا.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلاَنِ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَائِبِ:
الأَْوَّل: هُوَ أَنْ يَفْرِضَ الْقَاضِي لِلزَّوْجَةِ نَفَقَةً عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ بِشَرْطِ طَلَبِهَا، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنَ الزَّوْجِ، فَلاَ تُمْنَعُ النَّفَقَةُ عَنِ الزَّوْجَةِ، وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلاً وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيِّ لِحَدِيثِ هِنْدَ السَّابِقِ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: لاَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَلَوْ طَلَبَتْ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ لأَِنَّ
__________
(1) شرح الخرشي 4 / 199، والتاج والإكليل 4 / 200، ومغني المحتاج 3 / 436، وكشاف القناع 5 / 471.
(2) حديث: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " سبق تخريجه ف 8.
الصفحة 50