كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)
الْفَرْضَ مِنَ الْقَاضِي عَلَى الْغَائِبِ قَضَاءٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ الآْخَرَ، وَهُوَ قَوْل شُرَيْحٍ (1) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (غَيْبَة ف 4 وَمَا بَعْدَهَا) .
25 - فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْقَاضِي عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ فَسَأَلَتِ الْقَاضِيَ أَنْ يَسْمَعَ بَيِّنَتَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَيَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً عَلَى الْغَائِبِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: لاَ يَسْمَعُهَا الْقَاضِي وَلاَ يَفْرِضُ لَهَا، وَبِهِ قَال أَبُو يُوسُفَ (2) . لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَصْل الْحَنَفِيَّةِ لاَ تُسْمَعُ إِلاَّ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ، وَلاَ خَصْمَ فَلاَ تُسْمَعُ.
الْقَوْل الثَّانِي: يَسْمَعُ الْقَاضِي بَيِّنَتَهَا وَيَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً وَتَسْتَدِينُ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَضَرَ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَ يَأْمُرُهَا الْقَاضِي بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ فِي وَجْهِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ نَفَّذَ الْفَرْضَ وَصَحَّتْ الاِسْتِدَانَةُ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَل لَمْ يُنَفِّذْ وَلَمْ يَصِحَّ، وَبِهِ قَال زُفَرُ.
لأَِنَّ الْقَاضِيَ إِنَّمَا يَسْمَعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لاَ لإِِثْبَاتِ النِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ، بَل لِيَتَوَصَّل
__________
(1) البدائع 4 / 26.
(2) لبدائع 4 / 27.
بِهَا إِلَى فَرْضِ النَّفَقَةِ، إِذْ يَجُوزُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ، كَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى السَّرِقَةِ، فَإِنَّهَا تُقْبَل فِي حَقِّ الْمَال، وَلاَ تُقْبَل فِي حَقِّ الْقَطْعِ. كَذَا هَاهُنَا تُقْبَل هَذِهِ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ صِحَّةِ الْفَرْضِ، لاَ فِي إِثْبَاتِ النِّكَاحِ.
فَإِذَا حَضَرَ وَأَنْكَرَ اسْتَعَادَ مِنْهَا الْبَيِّنَةَ، فَإِنْ أَعَادَتْ نَفَّذَ الْفَرْضَ وَصَحَّتْ الاِسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ وَإِلاَّ فَلاَ. هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ (1) . فَإِذَا كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الزَّوْجَةِ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهَا.
فَإِذَا كَانَ الْمَال فِي يَدِهَا وَهُوَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي (2) لِحَدِيثِ هِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ السَّابِقِ (3) .
وَإِنْ كَانَ الْمَال فِي يَدِ غَيْرِهَا وَهُوَ مِنْ جَنْسِ النَّفَقَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَخْذِ الزَّوْجَةِ نَفَقَتَهَا مِنْ مَال زَوْجِهَا الَّذِي بِيَدِ الآْخَرِينَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَال وَدِيعَةً أَمْ دَيْنًا بِأَمْرِ الْقَاضِي عَلَى قَوْلَيْنِ:
__________
(1) البدائع 4 / 27.
(2) البدائع 4 / 27.
(3) سبق تخريجه ف 8.
الصفحة 51