كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 41)
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ أَعْسَرَ الأَْبُ تَحَمَّلَتْهَا الأُْمُّ وَتَرْجِعُ بِهَا عَلَى الأَْبِ إِذَا أَيْسَرَ (1) .
وَاسْتَدَل أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْل، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْل ذَلِكَ (2) } .
مُوَجِّهِينَ اسْتِدْلاَلَهُمْ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَى الأَْبِ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الأُْمِّ وَالْجَدِّ لأَِنَّهُمَا وَارِثَانِ، فَيَجِبُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي تَحَمُّل نَفَقَاتِ مَنْ أُعْسِرَ أَبُوهُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى قَدْرِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مِيرَاثِهِ (3) .
الْقَوْل الثَّانِي: لاَ تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الأُْمِّ وَلاَ عَلَى الْجَدِّ إِنْ أُعْسِرَ الأَْبُ بِالنَّفَقَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ (4) .
الْقَوْل الثَّالِثُ: إِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الأَْبِ ثُمَّ عَلَى آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوْا، ثُمَّ تَنْتَقِل بَعْدَهُمْ إِلَى الأُْمِّ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (5) .
مُسْتَدِلِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْجَدَّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الأَْبِ، فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، قَال تَعَالَى: {
__________
(1) حاشية رد المحتار 2 / 672 ط بولاق.
(2) سورة البقرة / 233.
(3) بدائع الصنائع 3 / 442.
(4) مواهب الجليل 4 / 210، 211.
(5) الحاوي الكبير للمارودي 15 / 78.
يَا بَنِي آدَمَ (1) } فَسَمَّانَا أَبْنَاءَ، وَسَمَّى آدَمَ أَبًا وَهُوَ لَيْسَ مُبَاشِرًا.
وَلأَِنَّ الْجَدَّ يَقُومُ مَقَامَ الأَْبِ فِي الْوِلاَيَةِ، وَيَخْتَصُّ دُونَ الأُْمِّ بِالتَّعْصِيبِ فَوَجَبَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْتِزَامِ النَّفَقَةِ.
وَلأَِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَبًا وَإِنْ كَانَ جَدًّا بَعِيدًا، قَال تَعَالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ (2) } .
وَلِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ (3) } .
فَلَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الأُْمِّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الأَْبُ مِنَ الرِّضَاعِ، وَجَبَ عَلَيْهَا مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنَ النَّفَقَةِ.
وَلأَِنَّ الْبَعْضِيَّةَ فِيهَا مُتَحَقِّقَةٌ، وَفِي الأَْبِ مَظْنُونَةٌ، فَلَمَّا تَحَمَّلَتْ بِالْمَظْنُونَةِ كَانَ تَحَمُّلُهَا بِالْمُسْتَيْقَنَةِ أَوْلَى.
وَلأَِنَّ الْوَلَدَ لَمَّا تَحَمَّل نَفَقَةَ أَبَوَيْهِ، وَجَبَ أَنْ يَتَحَمَّل أَبَوَاهُ نَفَقَتَهُ (4) .
دَيْنُ نَفَقَةِ الأَْقَارِبِ:
68 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الأَْقَارِبِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ، إِلاَّ إِذَا اعْتُبِرَ دَيْنًا فِي
__________
(1) سورة الأعراف / 26.
(2) سورة الحج / 78.
(3) سورة البقرة / 233.
(4) الحاوي الكبير 15 / 78 - 80.
الصفحة 91