كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

الْمُطْلَقَاتِ، وَتَعْيِينِ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ الأَْلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَاتِ، وَصَرْفِ اللَّفْظِ عَنِ الْحَقَائِقِ إِلَى الْمَجَازَاتِ، وَلاَ تَكْفِي عَنِ الأَْلْفَاظِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابٌ، وَلاَ عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ مَسَائِل:
الْمَسْأَلَةُ الأُْولَى: تَقْيِيدُ الْمُطْلَقَاتِ إِذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلاً وَنَوَى بِهِ زَيْدًا فَلاَ يَبْرَأُ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ، لأَِنَّ رَجُلاً مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ، فَصَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ: لأَُكْرِمَنَّ زَيْدًا، وَكَذَلِكَ إِذَا قَيَّدَهُ بِصِفَةٍ فِي نِيَّتِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهَا كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لأَُكْرِمَنَّ رَجُلاً - وَيَنْوِي بِهِ فَقِيهًا أَوْ زَاهِدًا - فَلاَ يَبْرَأُ بِإِكْرَامِ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهَذِهِ صُورَةُ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ كَقَوْلِهِ: وَاللَّهِ لاَ لَبِسْتُ ثَوْبًا وَيَنْوِي إِخْرَاجَ الْكَتَّانِ مِنْ يَمِينِهِ، فَيَصِيرُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ، وَلاَ يَحْنَثُ إِذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ لأَِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ بِنِيَّتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمُحَاشَاةُ كَمَا قَال مَالِكٌ إِذَا قَال: كُل حَلاَلٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَلْزَمُهُ الطَّلاَقُ إِلاَّ أَنْ يُحَاشِيَ زَوْجَتَهُ، وَقَال الأَْصْحَابُ: يَكْفِي فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ. وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا تَخْصِيصٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلاَ نُقْصَانٍ،
وَالتَّخْصِيصُ يَكْفِي فِيهِ إِرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ، فَكَفَى فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ إِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَيْسَتِ الْمُحَاشَاةُ شَيْئًا غَيْرَ التَّخْصِيصِ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ النِّيَّةَ فِي الْيَمِينِ تُخَصِّصُ اللَّفْظَ الْعَامَّ، وَلاَ تُعَمِّمُ الْخَاصَّ، مِثَال الأَْوَّل: أَنْ يَقُول: وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُ أَحَدًا، وَيَنْوِي زَيْدًا. وَمِثَال الثَّانِي: أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ بِمَا نَال مِنْهُ، فَيَقُول: وَاللَّهِ لاَ أَشْرَبُ مِنْهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ، فَإِنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ عَلَى الْمَاءِ مِنْ عَطَشٍ خَاصَّةً، وَلاَ يَحْنَثُ بِطَعَامِهِ وَثِيَابِهِ وَلَوْ نَوَى أَنْ لاَ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ تَقْتَضِي ذَلِكَ، لأَِنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تُؤَثِّرُ إِذَا احْتَمَل اللَّفْظُ مَا نَوَى بِجِهَةٍ يُتَجَوَّزُ بِهَا، قَال الأَْسْنَوِيُّ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لأَِنَّ فِيهِ جِهَةً صَحِيحَةً وَهِيَ إِطْلاَقُ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُل (2) .

هـ - النِّيَّةُ فِي الْوَقْفِ:
62 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: الْوَقْفُ لَيْسَ عِبَادَةً وَضْعًا بِدَلِيل صِحَّتِهِ مِنَ الْكَافِرِ، فَإِنْ نَوَى الْقُرْبَةَ فَلَهُ الثَّوَابُ وَإِلاَّ فَلاَ (3) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تَدْخُل النِّيَّةُ فِي عُقُودِ
__________
(1) الفروق للقرافي (عالم الكتب - بيروت) 3 / 64 وما بعدها.
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 44.
(3) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 23.

الصفحة 106