كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ كَالْحَمْل فِي الْبَطْنِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ، فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِلْجَهَالَةِ وَتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ، وَقِيل: تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُول (1)

ب - أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِلْوَاهِبِ:
17 - مِنَ الشُّرُوطِ الْوَاجِبَةِ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا فِي نَفْسِهِ، فَلاَ يَجُوزُ هِبَةُ الْمُبَاحَاتِ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الإِْحْرَازِ، وَلأَِنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَتَمْلِيكُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مُحَالٌ.
كَمَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ مَمْلُوكًا لِلْوَاهِبِ؛ لأَِنَّ هِبَةَ مَال الْغَيْرِ مَمْنُوعٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ لِلْوَاهِبِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا:
أَمَّا هِبَةُ الْعَيْنِ فَظَاهِرٌ الْجَوَازُ لإِِمْكَانِيَّةِ قَبْضِهِ بِعَيْنِهِ.
أَمَّا هِبَةُ الدَّيْنِ: فَإِنْ كَانَ الْوَاهِبُ قَدْ وَهَبَ الدَّيْنَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِلاَ خِلاَفٍ، لأَِنَّهُ بِمَثَابَةِ إِبْرَاءٍ لِلْمَدِينِ أَوْ إِسْقَاطِ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَلاَ حَاجَةَ لِقَبْضٍ جَدِيدٍ.
__________
(1) الإنصاف 7 / 132، والكشاف 4 / 306.
أَمَّا هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل: الْجَوَازُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَارَهُ زَكَرِيَّا الأَْنْصَارِيُّ فِي الْمَنْهَجِ.
وَبُنِيَ الْجَوَازُ عَلَى أَنَّهُ إِنَابَةٌ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ، وَلأَِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ، أَلاَ يَرَى أَنَّهُ يُجْبِرُ الْمَدْيُونَ عَلَى تَسْلِيمِهِ، إِلاَّ أَنَّ قَبْضَهُ بِقَبْضِ عَيْنِهِ؟ فَإِذَا قَبَضَ الْعَيْنَ قَامَ قَبْضُهَا مَقَامَ قَبْضِ عَيْنِ مَا فِي الذِّمَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى الإِْذْنِ بِالْقَبْضِ صَرِيحًا، وَلاَ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَبْضِ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ بِخِلاَفِ هِبَةِ الْعَيْنِ. وَهَذَا وَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
الثَّانِي: عَدَمُ الْجَوَازِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ الْمُعْتَمَدِ، وَبِهِ قَال الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَوَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الْهِبَةِ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ لاَ يَحْتَمِل الْقَبْضَ، وَهُوَ بِخِلاَفِ مَا لَوْ وُهِبَ لِلْمَدِينِ، لأََنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ، وَذِمَّتُهُ فِي قَبْضِهِ، فَكَانَ الدَّيْنُ فِي قَبْضِهِ بِوَاسِطَةِ قَبْضِ الذِّمَّةِ.
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَيْهِ: بِأَنَّ الْهِبَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَقْدُورَةِ التَّسْلِيمِ، وَأَنَّ مَا

الصفحة 127