كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

وَفِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ يُلْحَقُ سَائِرُ الأُْصُول بِالأَْبِ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ.
وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ الأُْمَّ بِالأَْبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الاِبْنُ غَيْرَ يَتِيمٍ، وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الأُْمَّ كَالأَْبِ فِي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا (1) وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْل مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يَحِل لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ إِلاَّ فِيمَا يَهَبُ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ (2) ، فَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي عَدَمِ جَوَازِ رُجُوعِ غَيْرِ الأَْبِ فِي هِبَتِهِ لِوَلَدِهِ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ (3) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: لَيْسَ لَنَا مَثَل
__________
(1) الْخَرَشِيّ 7 / 114، وَالْقَوَانِين الْفِقْهِيَّة ص 315، وَحَاشِيَة الدُّسُوقِيّ 4 / 110، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 248، وَالْمُهَذَّبِ 1 / 447، وَمُغْنِي الْمُحْتَاج 2 / 402، وَحَاشِيَة البجيرمي 3 / 219، وَحَاشِيَة الْقَلْيُوبِيّ وَعَمِيرَة 3 / 313، وَالْمُغْنِي وَالشَّرْح الْكَبِير 6 / 272، وَالإِْنْصَاف 7 / 145، وَالْفُرُوع 4 / 647
(2) حَدِيث: " لاَ يَحْل لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ. . . ". أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الآْثَار (4 / 79 ط مَطْبَعَة الأَْنْوَار الْمُحَمَّدِيَّة) ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى (6 / 179 - 180 ط دَائِرَة الْمَعَارِفِ) وَقَال: مُنْقَطِع، وَفِي الْبَابِ مُوَصِّلاً بِلَفْظٍ آخَرَ.
(3) حَدِيث: " الْعَائِد فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيِّئْهُ ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 5 / 234 ط السَّلَفِيَّة) ، وَمُسْلِم (3 / 1241 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمِ ا.
السَّوْءِ، الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ (1) .
الثَّانِي: يَصِحُّ الرُّجُوعُ لِلْوَاهِبِ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالِي: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رَدُّوهَا (3) } وَالتَّحِيَّةُ هُنَا تُفَسَّرُ بِالْهَدِيَّةِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ (أَوْ رَدُّوهَا) لأَِنَّ الرَّدَّ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الأَْعْيَانِ لاَ فِي الأَْعْرَاضِ؛ لأَِنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إِعَادَةِ الشَّيْءِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الأَْعْرَاضِ كَالتَّحِيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا (4) أَيْ يُعَوَّضُ، فَقَدْ جَعَل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاهِبَ أَحَقَّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يَصِل إِلَيْهِ الْعِوَضُ.
__________
(1) حَدِيث: " لَيْسَ لَنَا مَثَل السَّوْءِ: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ. . . ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ (فَتْح الْبَارِي 5 / 234 - 235 ط السَّلَفِيَّة) ، وَمُسْلِم (3 / 1240 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) مِنْ حَدِيثِ ابْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمِ ا.
(2) بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 127، وَتَكْمِلَة فَتْح الْقَدِير 7 / 129، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 295، 316، وَحَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 4 / 539.
(3) سُورَة النِّسَاء / 86.
(4) حَدِيث: " الْوَاهِب أَحَقّ بِهِبَتِهِ. . . ". سَبَقَ تَخْرِيجه ف 32.

الصفحة 148