كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

فَقَدْ بَاءَ بِالإِْثْمِ (1) .
وَقَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: يَجِبُ هَجْرُهُ لِعَدَمِ رَدِّ السَّلاَمِ؛ لأَِنَّهُ فَاسِقٌ، وَلاَ خَيْرَ فِيهِ أَصْلاً (2) وَذَلِكَ تَأْدِيبًا.
هَذَا، وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الأَْنْصَارِيِّ الآْنِفِ الذِّكْرِ إِلَى أَنَّ خَيْرَ الْمُتَهَاجِرَيْنِ مَنْ يَبْدَأُ صَاحِبَهُ بِالسَّلاَمِ، أَيْ أَفْضَلَهُمَا وَأَكْثَرَهُمَا ثَوَابًا. قَال الْبَاجِيُّ: لأَِنَّهُ الَّذِي بَدَأَ بِالْمُوَاصَلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَتَرَكَ الْمُهَاجَرَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا، مَعَ أَنَّ الاِبْتِدَاءَ بِهَا أَشَدُّ مِنَ الْمُسَاعَدَةِ عَلَيْهَا (3) وَقِيل: لِدَلاَلَةِ فِعْلِهِ عَلَى أَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّوَاضُعِ وَأَنْسَبُ إِلَى الصَّفَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَلإِِشْعَارِهِ بِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ، وَلإِِيمَائِهِ إِلَى حِفْظِ الْعَهْدِ وَالْحِرْصِ عَلَى الْمَوَدَّةِ الْقَدِيمَةِ (4) .

ثَالِثًا: هَجْرُ غَيْرِ الْمُسْلِمِ:
14 - أَمَّا هَجْرُ الْمُسْلِمِ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ،
__________
(1) حَدِيث: " لاَ يَحْل لِمُؤْمِن أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا. . ". . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد (5 / 214 - 215 ط حِمْصَ) ، وَصَحَّحَ إِسْنَاده ابْن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي (10 / 495ط السَّلَفِيَّة) .
(2) مِرْقَاة الْمَفَاتِيح 4 / 717.
(3) الْمُنْتَقَى شَرْح الْمُوَطَّأ 7 / 215.
(4) مِرْقَاة الْمَفَاتِيح 4 / 717.
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ ثَلاَثٍ؛ لأَِنَّ الْمُرَادَ بِالأُْخُوَّةِ فِي الْحَدِيثِ أُخُوَّةُ الإِْسْلاَمِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ جَازَ هَجْرُهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ (1) . قَال الطِّيبِيُّ: وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ إِشْعَارٌ بِالْعِلِّيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أُخُوَّةُ الإِْسْلاَمِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا خَالَفَ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ وَقَطَعَ هَذِهِ الرَّابِطَةَ جَازَ هَجْرُهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ (2) .

رَابِعًا: تَأْدِيبُ الزَّوْجَةِ لِنُشُوزِهَا بِالْهَجْرِ:
15 - لِلزَّوْجِ تَأْدِيبُ زَوْجَتِهِ إِذَا نَشَزَتْ بِأُمُورٍ مِنْهَا هَجْرُهَا فِي الْمَضْجَعِ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ (3) } .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نُشُوز ف 15) .

مَا يَنْقَضِي بِهِ جَوَازُ هَجْرِ الزَّوْجَةِ:
16 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ هَجْرَ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ النَّاشِزَةِ يَنْقَضِي جَوَازُهُ بِانْقِضَاءِ نُشُوزِهَا وَرُجُوعِهَا عَنْهُ وَعَوْدَتِهَا إِلَى طَاعَةِ الزَّوْجِ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا طَاعَتَهُ فِيهِ؛ لأَِنَّهَا بِذَلِكَ تَكُونُ قَدْ أَقْلَعَتْ عَمَّا اسْتَحَقَّتْ بِهِ الْهَجْرَ
__________
(1) الأُْبِّيّ عَلَى مُسْلِم 7 / 16، وَفَتْح الْبَارِي 10 / 496.
(2) مِرْقَاة الْمَفَاتِيح 4 / 716.
(3) سُورَة النِّسَاء / 34.

الصفحة 171