كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
18 - وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ التَّكْلِيفِيِّ لِذَلِكَ وَمَا يُشْتَرَطُ لَهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: يُسَنُّ هَجْرُ مَنْ جَهَرَ بِالْمَعَاصِي الْفِعْلِيَّةِ أَوِ الْقَوْلِيَّةِ أَوِ الاِعْتِقَادِيَّةِ. قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ (1) .
وَالثَّانِي: يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا، فَلاَ يُكَلَّمُ وَلاَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِل عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُعْتَقَدِهِ، وَقَال: لِيَكُونَ ذَلِكَ كَسْرًا لَهُ وَاسْتِصْلاَحًا.
وَالثَّالِثُ: يَجِبُ هَجْرُهُ مُطْلَقًا إِلاَّ مِنَ السَّلاَمِ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.
وَالرَّابِعُ: يَجِبُ هَجْرُهُ إِنِ ارْتَدَعَ بِذَلِكَ، وَإِلاَّ كَانَ مُسْتَحَبًّا (2) .
وَالْخَامِسُ: يَجِبُ هَجْرُ مَنْ كَفَرَ أَوْ فَسَقَ بِبِدْعَةٍ أَوْ دَعَا إِلَى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ مُفَسِّقَةٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنِ الرَّدِّ عَلَيْهِ أَوْ خَافَ الاِغْتِرَارَ بِهِ وَالتَّأَذِّيَ دُونَ غَيْرِهِ. أَمَّا مَنْ قَدَرَ عَلَى الرَّدِّ أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إِلَى مُخَالَطَتِهِمْ لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَجْرُ؛ لأَِنَّ مَنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ
__________
(1) الآْدَاب الشَّرْعِيَّة 1 / 229
(2) الآْدَاب الشَّرْعِيَّة 1 / 229، 237، وَغِذَاء الأَْلْبَاب للسفاريني 1 / 259، 268.
وَيُنَاظِرُهُمْ يَحْتَاجُ إِلَى مُشَافَهَتِهِمْ وَمُخَالَطَتِهِمْ لأَِجْل ذَلِكَ. وَكَذَا مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ (1) .
وَالسَّادِسُ: أَنَّ هِجْرَانَ ذِي الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوِ الْمُتَجَاهِرِ بِالْكَبَائِرِ وَاجِبٌ بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ يَقْدِرَ عَلَى عُقُوبَتِهِ الشَّرْعِيَّةِ - كَالْحَدِّ وَبَقِيَّةِ أَنْوَاعِ التَّعْزِيرِ فِي كُل شَيْءٍ بِمَا يَلِيقُ بِهِ - إِذَا كَانَ لاَ يَتْرُكُهَا إِلاَّ بِالْعُقُوبَةِ، بِحَيْثُ إِذَا قَدَرَ عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ لَزِمَهُ. وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ لِمَنْ بُسِطَتْ يَدُهُ فِي الأَْرْضِ، هَذَا إِذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ، أَمَّا إِذَا خَافَ مِنْهُ إِذَا تَرَكَ مُخَالَطَتَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُدَارِيَهُ. وَالْمُدَارَاةُ هِيَ أَنْ يُظْهِرَ خِلاَفَ مَا يُضْمِرُ لاِكْتِفَاءِ الشَّرِّ وَحِفْظِ الْوَقْتِ، بِخِلاَفِ الْمُدَاهَنَةِ الَّتِي مَعَهَا إِظْهَارُ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ مِنَ الدُّنْيَا.
وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يَقْدِرَ عَلَى مَوْعِظَتِهِ، لِشِدَّةِ تَجَبُّرِهِ، أَوْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا لَكِنَّهُ لاَ يَقْبَلُهَا؛ لِعَدَمِ عَقْلٍ وَنَحْوِهِ.
أَمَّا لَوْ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَجْرِهِ عَنْ مُخَالَطَةِ الْكَبَائِرِ بِعُقُوبَتِهِ بِيَدِهِ - إِنْ كَانَ حَاكِمًا أَوْ فِي وِلاَيَتِهِ أَوْ بِرَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ - أَوْ بِمُجَرَّدِ وَعْظِهِ،
__________
(1) الآْدَاب الشَّرْعِيَّة 1 / 237، وَغِذَاء الأَْلْبَاب 1 / 269.
الصفحة 173