كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
يُنَافِي الأَْهْلِيَّةَ أَصْلاً، أَمَّا أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ - وَهِيَ صَلاَحِيَةُ الإِْنْسَانِ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ - فَلأَِنَّهَا تُنَاطُ بِالذِّمَّةِ، وَذِمَّةُ الْهَازِل مَوْجُودَةٌ وَقَائِمَةٌ بِوُجُودِهِ حَيًّا؛ وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ الأَْدَاءِ - وَهِيَ صَلاَحِيَتُهُ لِصُدُورِ الْفِعْل مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا - فَلأَِنَّهَا تُنَاطُ بِالْعَقْل، وَالْهَازِل عَاقِلٌ (1) .
ب - الْهَزْل لاَ يُنَافِي الاِخْتِيَارَ وَالرِّضَا.
7 - نَصَّ عُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْهَزْل لاَ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْمُبَاشَرَةِ، وَالرِّضَا بِهَا (2) ، وَإِنَّمَا يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ، فَلَوْ قَال الْهَازِل: بِعْتُ لِفُلاَنٍ كَذَا، فَهُوَ لاَ يُرِيدُ نَقْل مِلْكِيَّةِ سِلْعَتِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي (وَهُوَ الْحُكْمُ) وَلاَ يَخْتَارُ ذَلِكَ وَلاَ يَرْضَاهُ، وَلَكِنَّهُ رَضِيَ بِمُبَاشَرَةِ صِيغَةِ الْعَقْدِ وَإِجْرَائِهَا عَلَى لِسَانِهِ، وَاخْتَارَ ذَلِكَ، فَصَارَ الْهَزْل بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ؛ لأَِنَّ الْخِيَارَ يَعْدِمُ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارَ جَمِيعًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ؛ لأَِنَّهُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ حُرٌّ فِي إِمْضَاءِ الْعَقْدِ، أَوْ عَدَمِ إِمْضَائِهِ، وَلاَ يَعْدِمُ الْخِيَارُ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارَ فِي حَقِّ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ
__________
(1) التَّوْضِيح وَالتَّلْوِيح 2 / 394، 337 ط دَار الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ.
(2) الاِخْتِيَار هُوَ: الْقَصْدُ إِلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَته، وَالرِّضَا هُوَ إِيثَارُهُ، وَاسْتِحْسَانُهُ (مِشْكَاة الأَْنْوَار 2 / 109، وَالتَّلْوِيح 2 / 394) .
- وَهُوَ الصِّيغَةُ - إِذْ صِيغَةُ الْعَقْدِ أَجْرَاهَا الْعَاقِدُ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ، وَلَكِنَّ الْخِيَارَ مَنَعَ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الصِّيغَةِ فَوْرًا، فَكَذَا فِي الْهَزْل يُوجَدُ الرِّضَا وَالاِخْتِيَارُ فِي حَقِّ السَّبَبِ، وَلاَ يُوجَدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ (1) .
وَيَقُول عَبْدُ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيُّ: إِنَّ الدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْهَزْل لاَ يُنَافِي الأَْهْلِيَّةَ، وَلاَ الاِخْتِيَارَ وَالرِّضَا بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ أَنَّ الْهَزْل لاَ يُؤَثِّرُ فِي النِّكَاحِ بِالسُّنَّةِ، وَهِيَ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ (2) . فَعُلِمَ بِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لاَ يُنَافِي الإِْيجَابَ - أَيِ السَّبَبَ - إِذْ لَوْ كَانَ مُنَافِيًا لِنَفْسِ الْكَلاَمِ وَانْعِقَادِهِ سَبَبًا لَمَا صَحَّ النِّكَاحُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَنْعَقِدُ بِالْكَلاَمِ الْفَاسِدِ؛ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَنْعَقِدُ بِعِبَارَةِ الْمَجْنُونِ لِفَسَادِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ كَلاَمَ الْهَازِل صَحِيحٌ فِي انْعِقَادِهِ سَبَبًا.
وَإِذَا كَانَ الْهَزْل كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِلأَْهْلِيَّةِ، وَلاَ لِوُجُوبِ شَيْءٍ مِنَ الأَْحْكَامِ وَلاَ عُذْرًا فِي وَضْعِ الْخِطَابِ بِحَالٍ، لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَثَرُ الْهَزْل مَا قُلْنَا: إِنَّهُ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْحُكْمِ وَالرِّضَا بِهِ، فَيَجِبُ تَخْرِيجُ الأَْحْكَامِ مَعَ الْهَزْل
__________
(1) كُشِفَ الأَْسْرَار 4 / 1478، والتوضيح وَالتَّلْوِيح 2 / 394، وتيسير التَّحْرِير 2 / 290، ومشكاة الأَْنْوَار 2 / 109.
(2) سَبَقَ تَخْرِيجَهُ فِقْرَة (1) .
الصفحة 272