كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

يَصِحُّ الإِْبْرَاءُ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ؛ لأَِنَّهُ لَوْ قَال: أَبْرَأْتُكَ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ لاَ يَسْقُطُ الدَّيْنُ؛ لأَِنَّ فِي الإِْبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَلِهَذَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَإِلَى مَعْنَى التَّمْلِيكِ أُشِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ (1) } فَيُؤَثِّرُ فِي الإِْبْرَاءِ خِيَارُ الشَّرْطِ، فَكَذَا الْهَزْل يُؤَثِّرُ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ (2) .

و إِبْرَاءُ الْكَفِيل هَزْلاً:
41 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْكَفِيل هَازِلاً لاَ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ مِمَّا لاَ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لأَِنَّهُ يَحْتَمِل الْفَسْخَ، بِدَلِيل أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْكَفِيل عَلَى عَيْنٍ، وَهَلَكَتِ الْعَيْنُ، أَوْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ يَنْفَسِخُ الصُّلْحُ وَتَعُودُ الْكَفَالَةُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَعْمَل فِيهِ الْهَزْل فَيَمْنَعُهُ مِنَ الثُّبُوتِ، كَالْخِيَارِ (3) .

الْقِسْمُ الثَّانِي: الْهَزْل فِي الإِْخْبَارَاتِ:
42 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْهَزْل يُبْطِل الإِْخْبَارَاتِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
__________
(1) سُورَةُ الْبَقَرَةِ / 280.
(2) كَشْف الأَْسْرَار للبزدوي 4 / 598.
(3) كَشْف الأَْسْرَارِ للبزدوي 4 / 599 ط دَار الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ.
فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الإِْخْبَارَاتِ يُبْطِلُهَا الْهَزْل، سَوَاءٌ كَانَتْ إِخْبَارًا عَمَّا يَحْتَمِل الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، أَوْ لاَ يَحْتَمِلُهُ كَالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ إِخْبَارًا شَرْعًا وَلُغَةً كَمَا إِذَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُقِرَّا بِأَنَّ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا، أَوْ بِأَنَّهُمَا تَبَايَعَا فِي هَذَا الشَّيْءِ بِكَذَا، أَوْ كَانَتْ إِخْبَارًا لُغَةً فَقَطْ، كَمَا إِذَا أَقَرَّ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ كَذَا، وَذَلِكَ لأَِنَّ الإِْخْبَارَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْمُخْبَرِ بِهِ، أَيْ تَحَقَّقَ الْحُكْمُ الَّذِي صَارَ الْخَبَرُ عِبَارَةً عَنْهُ، وَإِعْلاَمًا بِثُبُوتِهِ أَوْ نَفْيِهِ، وَالْهَزْل يُنَافِي ذَلِكَ وَيَدُل عَلَى عَدَمِهِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَبْطُل الإِْقْرَارُ بِالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ مُكْرَهًا، كَذَلِكَ يَبْطُل الإِْقْرَارُ بِهِمَا هَازِلاً؛ لأَِنَّ الْهَزْل دَلِيل الْكَذِبِ كَالإِْكْرَاهِ، حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ بَعْدَ الْهَزْل بِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لأََنَّ الإِْجَازَةَ إِنَّمَا تَلْحَقُ شَيْئًا مُنْعَقِدًا يَحْتَمِل الصِّحَّةَ وَالْبُطْلاَنَ، وَبِالإِْجَازَةِ لاَ يَصِيرُ الْكَذِبُ صِدْقًا، وَهَذَا بِخِلاَفِ إِنْشَاءِ الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لاَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ، فَإِنَّهُ لاَ أَثَرَ فِيهِ لِلْهَزْل عَلَى مَا سَبَقَ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قَال: أَقْرَرْتُ بِكَذَا وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ نَائِمٌ فَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ حَيْثُ قَالَهُ نَسَقًا
__________
(1) شَرْح التَّلْوِيح عَلَى التَّوْضِيحِ 2 / 191، وفواتح الرَّحَمُوت 1 / 163، وحاشية ابْن عَابِدِينَ 2 / 4، وفتح الْقَدِير 3 / 345، وتكملة حَاشِيَة ابْن عَابِدِينَ 2 / 81، والفتاوى الْخَيْرِيَّة 2 / 94.

الصفحة 289