كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

(أَيْ بِدُونِ فَصْلٍ فِي الْكَلاَمِ) ، وَلَمْ تُكَذِّبْهُ الْبَيِّنَةُ. وَكَذَا لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إِذَا قَال: أَقْرَرْتُ بِكَذَا قَبْل أَنْ أُخْلَقَ حَيْثُ قَالَهُ نَسَقًا؛ لأَِنَّ هَذَا خَارِجٌ مَخْرَجَ الاِسْتِهْزَاءِ؛ فَلَوْ قَال: أَقْرَرْتُ بِأَلْفٍ وَلَمْ أَدْرِ أَكُنْتُ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ بَالِغٌ؛ لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ الْبُلُوغِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ قَال: لاَ أَدْرِي أَكُنْتُ عَاقِلاً أَمْ لاَ فَيَلْزَمُهُ، لأَِنَّ الأَْصْل الْعَقْل حَتَّى يَثْبُتَ انْتِفَاؤُهُ (1) .
وَجَاءَ فِي التَّاجِ وَالإِْكْلِيل أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ اعْتِذَارًا: سُمِعَ أَشْهَبُ: مَنِ اشْتَرَى مَالاً فَسَأَل الإِْقَالَةَ، فَقَال: تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَى أَبِي، ثُمَّ مَاتَ الأَْبُ، فَلاَ شَيْءَ لِلاِبْنِ بِهَذَا؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِاللَّفْظِ ظَاهِرَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ لاَزَمَهُ، وَهُوَ خُرُوجُهُ مِنْ مِلْكِهِ، وَأَنَّهُ الآْنَ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ.
قَال ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: وَإِنْ سُئِل كِرَاءَ مَنْزِلِهِ، فَقَال: هُوَ لاِبْنَتِي ثُمَّ مَاتَ، فَلاَ شَيْءَ لَهَا بِهَذَا، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فِي حِجْرِهِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يُعْتَذَرُ بِمِثْل هَذَا مَنْ يُرِيدُ مَنْعَهُ.
وَسُمِعَ أَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ: لَوْ سَأَلَهُ ابْنُ عَمِّهِ أَنْ يُسْكِنَهُ مَنْزِلاً، فَقَال: هُوَ لِزَوْجَتِي، ثُمَّ قَال لِثَانٍ وَثَالِثٍ ذَلِكَ الْقَوْل عِنْدَمَا سَأَلاَهُ، فَقَامَتِ
__________
(1) الشَّرْح الصَّغِير 3 / 532، والدسوقي 3 / 404.
امْرَأَتُهُ بِذَلِكَ، فَقَال: إِنَّمَا قُلْتُهُ اعْتِذَارًا لِنَمْنَعَهُ، فَلاَ شَيْءَ لَهَا بِهَذَا.
وَقَدْ يَقُول الرَّجُل لِلسُّلْطَانِ فِي الأَْمَةِ: وَلَدَتْ مِنِّي، وَفِي الْعَبْدِ هُوَ مُدَبَّرٌ؛ لِئَلاَّ يَأْخُذَهُمَا السُّلْطَانُ فَلاَ يَلْزَمُهُ الإِْشْهَادُ فِيهِ. أَيْ أَنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِهَذَا الإِْقْرَارِ (1) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْهَزْل لاَ يُبْطِل الإِْقْرَارَ:
فَقَدْ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْبُجَيْرِمِيِّ عَلَى الْخَطِيبِ: أَنَّ الأُْمَّةَ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الإِْقْرَارِ وَلَوْ هَازِلاً أَوْ لاَعِبًا أَوْ كَاذِبًا، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ (2) .
وَجَاءَ فِي نَيْل الْمَآرِبِ: لاَ يَصِحُّ الإِْقْرَارُ إِلاَّ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ هَازِلاً (3) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل مَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مِنَ الإِْقْرَارِ وَمَا لاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ - سَوَاءٌ
__________
(1) التَّاج وَالإِْكْلِيل هَامِش مَوَاهِبَ الْجَلِيل 5 / 246، 227، وتبصرة الْحُكَّام 2 / 56، والشرح الصَّغِير 3 / 532، والدسوقي 3 / 404.
(2) حَاشِيَة البجيرمي عَلَى الْخَطِيبِ 3 / 119 ط دَار الْمَعْرِفَة بَيْرُوت.
(3) نَيْل الْمَآرِب شَرْح دَلِيل الطَّالِبِ لاِبْن أَبِي تَغْلِبَ 2 / 496، وانظر مَنَار السَّبِيل فِي شَرْحِ الدَّلِيل لإِِبْرَاهِيمَ ابْن ضَوَيَانَ 2 / 506.

الصفحة 290