كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ: عَلَى أَنَّ كُفْرَ الْمُسْلِمِ يَكُونُ بِصَرِيحٍ - كَقَوْلِهِ: الْعُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ - أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِي الْكُفْرَ، كَأَنْ يَجْحَدَ مَا عُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ وَيَقْتَضِيهِ كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذِرٍ، أَوْ حَرْقِهِ اسْتِخْفَافًا، وَشَدِّ زُنَّارٍ فِي وَسَطِهِ بِأَنْ فَعَل ذَلِكَ مَحَبَّةً فِي ذَلِكَ الزِّيِّ وَمَيْلاً لأَِهْلِهِ، وَأَمَّا إِنْ فَعَلَهُ هَزْلاً وَلَعِبًا فَهُوَ مُحَرَّمٌ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَنْتَهِي إِلَى الْكُفْرِ (1) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ هِيَ قَطْعُ الإِْسْلاَمِ، وَدَوَامُهُ بِنِيَّةِ كُفْرٍ، أَوْ قَطْعُ الإِْسْلاَمِ بِسَبَبِ قَوْل كُفْرٍ، أَوْ فِعْل مُكَفِّرٍ، وَسَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً، أَوْ عِنَادًا أَوِ اعْتِقَادًا (2) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (65) {لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ (3) } .

ب - هَزْل الْكَافِرِ بِمَا يُوجِبُ إِسْلاَمًا:
44 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِسْلاَمِ الْكَافِرِ إِذَا
__________
(1) الْخَرَشِيّ 8 / 62، والذخيرة 12 / 13، والشرح الصَّغِير 4 / 431.
(2) مُغْنِي الْمُحْتَاج 4 / 133 - 136، والإنصاف 10 / 326.
(3) سُورَةُ التَّوْبَةِ / 65 - 66.
هَزَل الْكَافِرُ بِكَلِمَةِ الإِْسْلاَمِ، وَتَبَرَّأَ عَنْ دِينِهِ هَازِلاً:
فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ: عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِإِيمَانِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا؛ لأَِنَّ الإِْيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ وَالإِْقْرَارُ بِاللِّسَانِ، وَقَدْ بَاشَرَ أَحَدَ الرُّكْنَيْنِ؛ وَهُوَ الإِْقْرَارُ بِاللِّسَانِ عَلَى سَبِيل الرِّضَا، وَالإِْقْرَارُ هُوَ الأَْصْل فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالإِْيمَانِ بِنَاءً عَلَيْهِ، كَالْمُكْرَهِ عَلَى الإِْسْلاَمِ إِذَا أَسْلَمَ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُودِ أَحَدِ الرُّكْنَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِالتَّكَلُّمِ بِكَلِمَةِ الإِْسْلاَمِ.
وَهُوَ أَيْضًا بِمَنْزِلَةِ إِنْشَاءٍ لاَ يَقْبَل حُكْمُهُ الرَّدَّ وَالتَّرَاخِيَ، فَإِنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ لاَ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الإِْسْلاَمِ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ، وَلاَ يُحْتَمَل أَنْ يُرَدَّ إِسْلاَمُهُ بِسَبَبٍ كَمَا يُرَدُّ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الطَّلاَقِ، وَالْعَتَاقِ، فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْل (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَأَمَّا الإِْسْلاَمُ هَازِلاً فَيَصِحُّ، لأَِنَّهُ إِنْشَاءٌ لاَ يَحْتَمِل حُكْمُهُ الرَّدَّ وَالتَّرَاخِيَ، تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الإِْيمَانِ كَمَا فِي الإِْكْرَاهِ (2) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ قَال ابْنُ رَجَبٍ: لَوْ أَتَى
__________
(1) كَشْف الأَْسْرَارِ عَلَى أُصُول البزدوي لِعَبْد الْعَزِيز الْبُخَارِيّ 4 / 1489.
(2) التَّلْوِيح عَلَى التَّوْضِيحِ لِلتَّفْتَازَانِيِّ 2 / 379.

الصفحة 292