كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
يَدُل عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْهَمِّ وَالإِْرَادَةِ لاَ يَكْفِي، فَفِي حَدِيثِ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ رَفَعَهُ: وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَ بِهَا قَلَبَهُ وَحَرَصَ عَلَيْهَا (1) . وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ حِبَّانَ، فَقَال بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي صَحِيحِهِ: الْمُرَادُ بِالْهَمِّ هُنَا الْعَزْمُ، ثُمَّ قَال: وَيُحْتَمَل أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ الْحَسَنَةَ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهَا زِيَادَةً فِي الْفَضْل.
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ: يَتَفَاوَتُ عِظَمُ الْحَسَنَةِ بِحَسَبِ الْمَانِعِ، فَإِنْ كَانَ خَارِجِيًّا مَعَ بَقَاءِ قَصْدِ الَّذِي هَمَّ بِفِعْل الْحَسَنَةِ فَهِيَ عَظِيمَةُ الْقَدْرِ، وَلاَ سِيَّمَا إِنْ قَارَنَهَا نَدَمٌ عَلَى تَفْوِيتِهَا وَاسْتَمَرَّتِ النِّيَّةُ عَلَى فِعْلِهَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ كَانَ التَّرْكُ مِنَ الَّذِي هَمَّ مِنْ قِبَل نَفْسِهِ فَهِيَ دُونَ ذَلِكَ إِلاَّ إِنْ قَارَنَهَا قَصْدُ الإِْعْرَاضِ عَنْهَا جُمْلَةً، وَالرَّغْبَةُ عَنْ فِعْلِهَا، وَلاَ سِيَّمَا إِنْ وَقَعَ الْعَمَل فِي عَكْسِهَا كَأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ مَثَلاً، فَصَرَفَهُ بِعَيْنِهِ فِي مَعْصِيَةٍ، فَالَّذِي يَظْهَرُ فِي الأَْخِيرِ أَنْ لاَ تُكْتَبَ لَهُ حَسَنَةٌ أَصْلاً، وَأَمَّا مَا قَبْلَهُ فَعَلَى الاِحْتِمَال (2) .
__________
(1) حَدِيث خَرِيم بْن فَاتَك: " مِنْ هُمْ بِحَسَنَة. . . . " أَخْرَجَهُ أَحْمَد (4 / 346 - ط الميمنية) .
(2) فَتْح الْبَارِي شَرْح صَحِيح الْبُخَارِيّ (11 / 324، 325) ، وانظر صَحِيح ابْن حِبَّانَ (2 / 107 - الإِْحْسَان - ط الرِّسَالَة) .
ب - حُكْمُ الْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، إِذَا كَانَ قَدْ تَرَكَهَا لأَِجْل اللَّهِ تَعَالَى، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ: وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً (1) .
وَهَل يُثَابُ التَّارِكُ عَنِ السَّيِّئَةِ الَّتِي هَمَّ بِهَا بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ أَمْ بِشَرْطِ أَنْ يَتْرُكَهَا لِمَخَافَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ.
فَقَال بَعْضُهُمْ: يُثَابُ عَلَيْهِ لِمُجَرَّدِ تَرْكِ مَا هَمَّ بِهِ مِنَ السَّيِّئَةِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِخَوْفٍ مِنَ اللَّهِ أَوْ لِخَوْفٍ مِنَ النَّاسِ، أَوْ لِعَجْزٍ عَنِ الإِْتْيَانِ بِهِ لِسَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ، كَمَنْ يَمْشِي مَثَلاً إِلَى امْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا، فَيَجِدُ الْبَابَ مُغْلَقًا وَيَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ فَتْحُهُ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَمَكَّنَ مِنَ الزِّنَا فَلَمْ يَنْتَشِرْ، أَوْ طَرَقَهُ مَا يَخَافُ مِنْ أَذَاهُ عَاجِلاً، وَذَلِكَ لِظَاهِرِ الأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَل فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ
__________
(1) فَتْح الْبَارِي شَرْح صَحِيح الْبُخَارِيّ 11 / 325 وَمَا بَعْدَهَا، وشرح الأَْرْبَعِينَ النَّوَوِيَّة ص 61، 62 وَالْحَدِيث سَبَقَ تَخْرِيجَهُ ف (6) .
الصفحة 302