كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَةً (1) ، وَلِحَدِيثِ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَل سَيِّئَةً فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَلِحَدِيثِ: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَل حَسَنَةً فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَل، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَإِذَا تَحَدَّثَ بِأَنْ يَعْمَل سَيِّئَةً فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا (2) فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَل هُنَا عَمَل الْجَارِحَةِ بِالْمَعْصِيَةِ الْمَهْمُومِ بِهَا.
أَمَّا إِذَا عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِقَلْبِهِ وَوَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَيَكُونُ آثِمًا بِعَزْمِ الْقَلْبِ وَاسْتِقْرَارِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، قَالُوا: وَهَذَا زَائِدٌ عَلَى حَدِيثِ النَّفْسِ وَالْخَوَاطِرِ الَّتِي تَخْطُرُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ، وَهُوَ مِنْ عَمَل الْقَلْبِ، وَهُوَ يُكْتَبُ عَلَى صَاحِبِهِ وَيُؤَاخَذُ عَلَيْهِ مِثْل النِّفَاقِ وَالْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْغِل وَالْحِقْدِ وَالْبَغْيِ وَالْغَضَبِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالْبُخْل وَالإِْعْرَاضِ عَنِ الْحَقِّ وَالْعُجْبِ وَالْمَكْرِ، فَمَنْ وَجَدَ فِي قَلْبِهِ مَرَضًا مِنْ هَذِهِ
__________
(1) حَدِيث: " إِذَا هُمْ عَبْدِي بِسَيِّئَة. . . . ". سَبَقَ تَخْرِيجه فِي فِقْرَة (6) .
(2) حَدِيث: " إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَل حَسَنَة. . . ". أَخْرَجَهُ مُسْلِم (1 / 117 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) .
الأَْمْرَاضِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنَّ يُعَالِجَهُ حَتَّى يَزُول، فَإِنْ لَمْ يُعَالِجْهُ أَثِمَ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ مِنْ هَذِهِ الأَْمْرَاضِ عَلَى مَا نَوَاهُ وَقَصَدَهُ بِقَلْبِهِ دُونَ مَا خَطَرَ بِقَلْبِهِ أَوْ سَبَقَ إِلَيْهِ لِسَانُهُ وَوَهِمَهُ (1) .
ج - الْعِقَابُ عَلَى الْهَمِّ الْمَقْرُونِ بِالْعَزْمِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْعِقَابِ عَلَى الْهَمِّ الْمَقْرُونِ بِالْعَزْمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
قَال ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ (2) : قَسَّمَ بَعْضُهُمْ مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ أَقْسَامًا:
أَضْعَفُهَا: أَنْ يَخْطُرَ لَهُ ثُمَّ يَذْهَبُ فِي الْحَال، وَهَذَا مِنَ الْوَسْوَسَةِ، وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَهُوَ دُونَ التَّرَدُّدِ.
وَفَوْقَهُ: أَنْ يَتَرَدَّدَ فِيهِ، فَيَهُمُّ بِهِ ثُمَّ يَنْفِرُ عَنْهُ فَيَتْرُكُهُ، ثُمَّ يَهُمُّ بِهِ ثُمَّ يَتْرُكُ كَذَلِكَ، وَلاَ يَسْتَمِرُّ عَلَى قَصْدِهِ وَهَذَا هُوَ التَّرَدُّدُ، فَيُعْفَى عَنْهُ أَيْضًا.
وَفَوْقَهُ: أَنْ يَمِيل إِلَيْهِ وَلاَ يَنْفِرَ مِنْهُ لَكِنْ لاَ يُصَمِّمُ عَلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الْهَمُّ، فَيُعْفَى
__________
(1) فَتْح الْبَارِي 11 / 326 وَمَا بَعْدَهَا، وشرح صَحِيح مُسْلِم لِلنَّوَوِيِّ 2 / 128، والزواجر عَنِ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ لاِبْنِ حَجَر الهيتمي 1 / 79.
(2) فَتْح الْبَارِي 5 / 69، 10 / 486، 11 / 327، 13 / 34، 470 - 472، 475، تفسير الْقُرْطُبِيّ 3 / 102، 6 / 266 وَمَا بَعْدَهَا، وأحكام الْقُرْآن لاِبْنِ الْعَرَبِيِّ 1 / 241، 242.
الصفحة 304