كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

عَنْهُ أَيْضًا.
وَفَوْقَهُ: أَنْ يَمِيل إِلَيْهِ وَلاَ يَنْفِرَ مِنْهُ بَل يُصَمِّمُ عَلَى فِعْلِهِ، فَهَذَا هُوَ الْعَزْمُ، وَهُوَ مُنْتَهَى الْهَمِّ، وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْمَال الْقُلُوبِ صِرْفًا، كَالشَّكِّ فِي الْوَحْدَانِيَّةِ أَوِ النُّبُوَّةِ أَوِ الْبَعْثِ، فَهَذَا كُفْرٌ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ جَزْمًا.
وَدُونَهُ الْمَعْصِيَةُ الَّتِي لاَ تَصِل إِلَى الْكُفْرِ، كَمَنْ يُحِبُّ مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، وَيُبْغِضُ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُحِبُّ لِلْمُسْلِمِ الأَْذَى بِغَيْرِ مُوجِبٍ لِذَلِكَ، فَهَذَا يَأْثَمُ.
وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْكِبْرُ وَالْعُجْبُ وَالْبَغْيُ وَالْمَكْرُ وَالْحَسَدُ، وَفِي بَعْضِ هَذَا خِلاَفٌ، فَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَحَسَدَهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَحَمَلُوهُ عَلَى مَا يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِمَّا لاَ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، لَكِنْ مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ مَأْمُورٌ بِمُجَاهَدَتِهِ النَّفْسَ عَلَى تَرْكِهِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْمَال الْجَوَارِحِ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، فَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ:
فَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْمُؤَاخَذَةِ بِالْعَزْمِ الْمُصَمَّمِ. وَسَأَل ابْنُ الْمُبَارَكِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ: أَيُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِمَا يَهُمُّ بِهِ؟ قَال: إِذَا جَزَمَ بِذَلِكَ، وَاسْتَدَل كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
( {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} ) (1) وَحَمَلُوا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَل بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ (2) وَنَحْوُهُ مِنَ الأَْحَادِيثِ عَلَى الْخَطَرَاتِ.
ثُمَّ افْتَرَقَ هَؤُلاَءِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُعَاقَبُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ فِي الدُّنْيَا خَاصَّةً بِنَحْوِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَل يُعَاقَبُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَكِنْ بِالْعِتَابِ لاَ بِالْعَذَابِ، وَهَذَا قَوْل ابْنِ جُرَيْجٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَطَائِفَةٍ، وَنُسِبَ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا (3) ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ النَّجْوَى وَهُوَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَل ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْوَى؟ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ، فَيَقُول: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُول: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ
__________
(1) سُورَةُ الْبَقَرَةِ 225.
(2) حَدِيث: " إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا. . . ". أَخْرَجَهُ البخاري (فَتْح الْبَارِي 5 / 160 ط السَّلَفِيَّة) ، ومسلم (1 / 116 ط عِيسَى الْحَلَبِيّ) ، وَاللَّفْظ لِمُسْلِم.
(3) فَتْح الْبَارِي 11 / 326 وَمَا بَعْدَهَا، وتحفة الأَْحْوَذِيّ شَرْح التِّرْمِذِيّ 6 / 616، ودليل الْفَالِحِينَ شَرْح رِيَاض الصَّالِحِينَ 2 / 549، 550

الصفحة 305