كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
الصَّغَائِرِ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا دُونَ الْكَبَائِرِ، وَقِيل: مَنْ يَنْدَمُونَ عَلَى فِعْل الذُّنُوبِ وَيَتُوبُونَ مِنْهَا (1) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: نَوْعِيَّةُ الْعِقَابِ الْمُوقَعِ عَلَى ذِي الْهَيْئَةِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْزِيرِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنْ صَغَائِرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لأَِوَّل مَرَّةٍ فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا صَدَرَ مِنْ ذِي الْهَيْئَةِ صَغِيرَةٌ لأَِوَّل مَرَّةٍ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ تَعْزِيرًا خَفِيفًا.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَزَّرَ جَمْعًا مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهُمْ رُءُوسُ الأَْوْلِيَاءِ وَسَادَةُ الأُْمَّةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَيَرَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا صَدَرَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ صَغَائِرُ لأَِوَّل مَرَّةٍ فَإِنَّهُمْ لاَ يُعَزَّرُونَ، وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ، إِلاَّ الْحُدُودَ (2) .
__________
(1) تُحْفَة الْمُحْتَاج 9 / 176، ونهاية الْمُحْتَاج 8 / 17، ومغني الْمُحْتَاج 4 / 191، وكشف الْخَفَاء وَمُزِيل الإِْلْبَاس 1 / 183 - 184، ورد الْمُحْتَار عَلَى الدَّرِّ الْمُخْتَارِ 3 / 187، 191، والأحكام السُّلْطَانِيَّة للماوردي ص 236.
(2) حَدِيث: " أُقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ. . . " أَخْرَجَهُ أَحْمَد (6 / 181 - ط الميمنية) مِنْ حَدِيثِ عَائِشَة.
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا حَتَّى لاَ يَعُودَ، وَلاَ يُعَزَّرَ.
أَمَّا إِذَا تَكَرَّرَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فِعْل الصَّغَائِرِ فَإِنَّهُمْ يُعَزَّرُونَ بِالاِتِّفَاقِ، وَيُضْرَبُ ذُو الْهَيْئَةِ بِمَا يُنَاسِبُ جُرْمَهُ، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ إِذَا فَعَل ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَا مُرُوءَةٍ، وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلاَتٌ فِي ذَلِكَ نُورِدُهَا فِيمَا يَلِي:
9 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ يَكُونُ بِحَسَبِ الْجَانِي، وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَالْجِنَايَةِ.
فَإِنْ كَانَ الْقَوْل عَظِيمًا مِنْ دَنِيِّ الْقَدْرِ مُخَاطِبًا بِهِ لِرَفِيعِ الْقَدْرِ بُولِغَ فِي الأَْدَبِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَالْعَكْسُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلاَّ الْحُدُودَ (1) ، فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ فَاعِل ذَلِكَ يُؤَدَّبُ، فَإِنْ كَانَ رَفِيعَ الْقَدْرِ، فَإِنَّهُ يُخَفَّفُ أَدَبُهُ وَيُتَجَافَى عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْفَلْتَةِ؛ لأَِنَّ الْقَصْدَ بِالتَّعْزِيرِ الزَّجْرُ عَنِ الْعَوْدَةِ، وَمَنْ صَدَرَ ذَلِكَ مِنْهُ فَلْتَةً يُظَنُّ بِهِ أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّفِيعُ.
وَإِذَا سَبَّ إِنْسَانٌ غَيْرَهُ فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَفْتَرِقُ فِيهِ ذُو الْهَيْئَةِ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ
__________
(1) حَدِيث: " أُقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ. . . " سَبَقَ تَخْرِيجَهُ ف 8.
الصفحة 326