كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
وَذَلِكَ: لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ لأَِدَاءِ الْوَاجِبِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَهُوَ مُؤَقَّتٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لأَِدَائِهِ وَقْتٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَهُوَ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ، وَالْمُكَلَّفُ فِي سَعَةٍ مِنْ أَدَائِهِ يُؤَدِّيهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، حَتَّى يَصِل إِلَى وَقْتٍ يَظُنُّ فَوْتَهُ بَعْدَهُ، أَوْ مَوْتَهُ (1) .
أَمَّا الْوَاجِبُ الْمُؤَقَّتُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ الْمُقَدَّرُ لأَِدَائِهِ لاَ يُفَضَّل عَنْ فِعْل الْوَاجِبِ - وَيُسَمَّى مُضَيَّقًا - وَلاَ نِزَاعَ فِي وُجُوبِ شُرُوعِهِ مِنْ أَوَّل الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لَهُ شَرْعًا، مَا دَامَ مَضِيقًا لاَ يَزِيدُ عَنْ فِعْل الْوَاجِبِ.
وَإِمَّا أَنْ يُفَضَّل عَنِ الْوَاجِبِ فَيَسَعُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَال اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ الْمُوَسَّعِ يَجِبُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ، إِلَى أَنَّ وَقْتَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ هُوَ جَمِيعُ الْوَقْتِ، أَيِ الإِْيجَابُ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ يَقْتَضِي إِيقَاعَ الْفِعْل فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ وَقْتِهِ يَخْتَارُهُ الْمُكَلَّفُ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي أَنْ يُوقِعَ الْفِعْل فِي أَوَّل الْوَقْتِ، أَوْ فِي وَسَطِهِ، أَوْ فِي آخِرِهِ، هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ فُقَهَاءَ وَأُصُولِيِّينَ.
__________
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 208 وَمَا بَعْدَهَا.
وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُوَسَّعًا: أَنَّ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْوَاجِبِ أَوَّل وَقْتِهِ أَوْ وَسَطَهُ إِلَى أَنْ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ لِفِعْل الْوَاجِبِ فَيَكُونُ مُضَيَّقًا.
فَالْوَاجِبُ الْمُخَيَّرُ، وَالْمُوَسَّعُ وَالْكِفَائِيُّ، كُلُّهَا مُشْتَرِكَةٌ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِ أُمُورٍ: فَفِي الْمُخَيَّرِ بِأَحَدِ الْخِصَال، وَفِي الْمُوَسَّعِ بِأَحَدِ الأَْزْمَانِ الْكَامِنَةِ بَيْنَ أَطْرَافِ الْوَقْتِ، وَفِي الْكِفَائِيِّ بِأَحَدِ طَوَائِفِ الْمُكَلَّفِينَ. وَمَتَى تَعَلَّقَ الْوُجُوبُ بِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ كَفَى فِيهِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ، لاَ يَتَعَيَّنُ الإِْخْلاَل بِهِ إِلاَّ بِتَرْكِ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ (1) .
وَعَلَى هَذَا، فَإِنَّ الْوَقْتَ كُلَّهُ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ ظَرْفٌ لِلْوَاجِبِ؛ لِتَحَقُّقِ الْمُشْتَرَكِ فِي جُمْلَةِ أَجْزَائِهِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ، وَلَكِنْ قَالُوا: إِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَخِّرَ أَدَاءَهُ مِنْ أَوَّل الْوَقْتِ لَزِمَ الْعَزْمُ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْوَقْتِ؛ لأَِنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الأَْمْرُ وَلَمْ يَفْعَل وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى الْفِعْل، فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الأَْمْرِ بِالضَّرُورَةِ، وَالْمُعْرِضُ عَاصٍ (2) .
__________
(1) الْبَحْر الْمُحِيط 1 / 208 وَمَا بَعْدَهَا، وشرح مُخْتَصَر رَوْضَة النَّاظِر لِلنَّجْمِ الطُّوفِيّ 1 / 332 - 333.
(2) فَتْح الْعَزِيز شَرْح الْوَجِيز 3 / 40 - 41، ومغني الْمُحْتَاج 1 / 125، وفواتح الرَّحَمُوت عَلَى هَامِشِ الْمُسْتَصْفِي 1 / 69، والذخيرة 2 / 22 - 23، وروضة النَّاظِر بِشَرْحِ ابْن بَدْرَان 1 / 99 وَمَا بَعْدَهَا، وكشاف الْقِنَاع 1 / 259.
الصفحة 333