كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
يَأْمُرْهُمْ بِذَلِكَ نَصًّا فَأَهَلُّوا عَنْهُ جَازَ أَيْضًا فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأَِنَّ الأَْمْرَ هَاهُنَا مَوْجُودٌ دَلاَلَةً، وَهِيَ دَلاَلَةُ عَقْدِ الْمُرَافَقَةِ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْ رُفَقَائِهِ الْمُتَوَجِّهِينَ إِلَى الْكَعْبَةِ يَكُونُ آذِنًا لِلآْخَرِ بِإِعَانَتِهِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ، فَكَانَ الأَْمْرُ مَوْجُودًا دَلاَلَةً، وَسَعْيُ الإِْنْسَانِ جَازَ أَنْ يُجْعَل سَعْيًا لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ (1) ، بِمُوجِبِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (2) } .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَجُوزُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ السَّعْيُ فِي التَّلْبِيَةِ؛ لأَِنَّ فِعْل غَيْرِهِ لاَ يَكُونُ فِعْلَهُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا يُجْعَل فِعْلاً لَهُ تَقْدِيرًا بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلاَفِ الطَّوَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّ الْفِعْل هُنَاكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَل الشَّرْطُ حُصُولُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَقَدْ حَصَل، وَالشَّرْطُ هَاهُنَا هُوَ التَّلْبِيَةُ، وَقَوْل غَيْرِهِ لاَ يَصِيرُ قَوْلاً لَهُ إِلاَّ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يُوجَدْ (3) .
ب - النِّيَابَةُ فِي الرَّمْيِ:
43 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الرَّمْيِ بِنَفْسِهِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رَمْيٍ ف 23) .
__________
(1) البدائع 2 / 161، والهداية مع فتح القدير 2 / 402.
(2) سورة النجم / 39.
(3) البدائع 2 / 161، والهداية مع فتح القدير 2 / 402.
ثَالِثًا: النِّيَابَةُ فِي الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ:
أ - النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي حَجِّ الْفَرْضِ:
44 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ مَتَى تُوُفِّيَ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَمْ يَحُجَّ، وَجَبَ أَنْ يُخْرَجَ عَنْهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ مَا يُحَجُّ بِهِ عَنْهُ وَيُعْتَمَرُ، سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَمْ لاَ. وَبِهَذَا قَال ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْحَسَنُ وَطَاوُوسٌ (1) . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُول:
أَمَّا السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ فَقَدْ رَوَى بُرَيْدَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ امْرَأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ أُمَّهَا مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، قَال: حُجِّي عَنْهَا (2) . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ، فَأَتَى أَخُوهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَال: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أُخْتِكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَال: نَعَمْ. قَال: فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ (3) .
__________
(1) المجموع 7 / 109، 112، ومغني المحتاج 1 / 468، والمغني 5 / 38 وما بعدها، وكشاف القناع 2 / 392، 393، وشرح منتهى الإرادات 1 / 519
(2) حديث بريدة: " أن امرأة أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم. . . " أخرجه مسلم (2 / 805 ط الحلبي) .
(3) حديث ابن عباس: " أن امرأة نذرت أن تحج. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 584 ط السلفية) ، والنسائي (5 / 116 ط المكتبة التجارية) واللفظ للنسائي.
الصفحة 44