كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

تَنْفِيذُهَا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِصُنْعِ طَعَامٍ لِلنَّائِحَاتِ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ مِنْ شُرُوطِ الْمُوصَى بِهِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ لاَ يَكُونَ مَعْصِيَةً، فَإِنْ أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِالنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، سَوَاءٌ نَفَّذَهَا الْمُوصَى لَهُ أَمْ لَمْ يُنَفِّذْهَا، فَإِنْ نَفَّذَهَا كَانَ عَلَيْهِ إِثْمُ الْوَصِيَّةِ، وَاشْتَرَكَ فِي الْوِزْرِ عَلَى النِّيَاحَةِ مَعَ مَنْ يَقُومُ بِهَا (1) .

ج - عُقُوبَةُ النَّائِحَةِ:
10 - لَمَّا كَانَتِ النِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ مُحَرَّمَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَزْجُرَ عَنْهَا وَيُعَاقِبَ عَلَيْهَا بِعُقُوبَاتٍ تَعْزِيرِيَّةٍ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْعَصَا وَيَرْمِي بِالْحِجَارَةِ وَيَحْثِي بِالتُّرَابِ (2) " وَرَوَى الأَْوْزَاعِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " أَمَرَ بِضَرْبِ نَائِحَةٍ، فَضُرِبَتْ حَتَّى بَدَا شَعْرُهَا، فَقِيل لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ قَدْ بَدَا شَعْرُهَا، فَقَال: لاَ حُرْمَةَ لَهَا، إِنَّمَا تَأْمُرُ بِالْجَزَعِ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَتَنْهَى عَنِ الصَّبْرِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَتَفْتِنُ الْحَيَّ وَتُؤْذِي الْمَيِّتَ، وَتَبِيعُ عَبْرَتَهَا، وَتَبْكِي شَجْوَ
__________
(1) البدائع 7 / 341، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 427، والبيان والتحصيل 13 / 139، ومغني المحتاج 2 / 44، ونهاية المحتاج 3 / 17.
(2) فتح الباري 3 / 137
غَيْرِهَا، إِنَّهَا لاَ تَبْكِي عَلَى مَيِّتِكُمْ، وَإِنَّمَا تَبْكِي لأَِخْذِ دَرَاهِمِكُمْ (1) ".
وَلَكِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لاَ يُعَاقَبُ بِالضَّرْبِ عَلَى النِّيَاحَةِ، وَإِنَّمَا تُمْنَعُ النَّائِحَةُ مِنَ الاِسْتِمْرَارِ، وَتُنْصَحُ بِعَدَمِ الْعَوْدِ، وَإِلاَّ نُفِيَتْ مِنَ الْبَلَدِ (2) ، وَاسْتَدَل الْقَارِّيُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الضَّرْبِ بِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ (وَفِي رِوَايَةٍ رُقَيَّةُ) ابْنَةُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَكَتِ النِّسَاءُ، فَجَعَل عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ، فَأَخَذَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَال: مَهْلاً يَا عُمَرُ، ثُمَّ قَال: ابْكِينَ وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيقَ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ قَال: إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنَ اللَّهِ وَمِنَ الرَّحْمَةِ، وَمَا كَانَ مِنَ الْيَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ (3) ، قَال الْقَارِّيُّ: فِيهِ إِشْعَارٌ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الضَّرْبُ عَلَى النِّيَاحَةِ، بَل يَنْبَغِي النَّصِيحَةُ، وَلِذَلِكَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَال لَهُ: (مَهْلاً) ، أَيْ أَمْهِلْهُنَّ (4) . وَنَصَّ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى وُجُوبِ النَّهْيِ عَنِ النِّيَاحَةِ، فَإِنْ لَمْ تَرْتَدِعِ النَّائِحَةُ
__________
(1) الكبائر ص 184، ومجموع الفتاوى 32 / 251.
(2) المرقاة 4 / 235 ط دار الفكر، بيروت 1992، ومعالم القربة ص 106.
(3) حديث: " ابكين وإياكن ونعيق الشيطان ". أخرجه أحمد (1 / 237 ط الميمنية) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 17 ط القدسي) فيه علي بن زيد وفيه كلام وهو موثق.
(4) مرقاة المفاتيح 4 / 235، 236.

الصفحة 57