كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

{يَعْقِلُونَ بِهَا (1) } ، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (2) } ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَل: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِْيمَانَ (3) } ، وَقَوْلِهِ جَل جَلاَلُهُ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ (4) } وَلَمْ يُضِفِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأُْمُورِ إِلَى الدِّمَاغِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خِلاَفٌ فَصَّلَهُ الْحَطَّابُ فَقَال: قَال الْمَازِرِيُّ: أَقَل الْمُتَشَرِّعِينَ وَأَكْثَرُ الْفَلاَسِفَةِ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الدِّمَاغِ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ الْعَقْل فِي الدِّمَاغِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ النِّيَّةَ فِي الدِّمَاغِ لاَ فِي الْقَلْبِ؛ لأَِنَّ الْعِلْمَ وَالإِْرَادَةَ وَالْمَيْل وَالنُّفْرَةَ وَالاِعْتِقَادَ كُلَّهَا أَعْرَاضُ النَّفْسِ وَالْعَقْل، فَحَيْثُ وُجِدَتِ النَّفْسُ وُجِدَ الْجَمِيعُ قَائِمًا بِهَا، فَالْعَقْل سَجِيَّتُهَا، وَالْعُلُومُ وَالإِْرَادَاتُ صِفَاتُهَا، وَلأَِنَّهُ إِذَا أُصِيبَ الدِّمَاغُ فَسَدَ الْعَقْل وَبَطَلَتِ الْعُلُومُ وَالْفِكْرُ وَأَحْوَال النَّفْسِ (5) .
ثُمَّ قَال الْحَطَّابُ: قَال الْقَرَافِيُّ: وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَقْل فِي الْقَلْبِ لَزِمَ أَنَّ النَّفْسَ فِي الْقَلْبِ، عَمَلاً بِظَاهِرِ النُّصُوصِ، وَإِذَا كَانَتِ النَّفْسُ فِي الْقَلْبِ كَانَتِ النِّيَّةُ وَأَنْوَاعُ الْعُلُومِ وَجَمِيعُ أَحْوَال النَّفْسِ فِي الْقَلْبِ.
__________
(1) سورة الحج / 46.
(2) سورة النجم / 11.
(3) سورة المجادلة / 22.
(4) سورة البقرة / 7.
(5) مواهب الجليل 1 / 231.
وَأَضَافَ الْمَازِرِيُّ قَوْلَهُ: وَهَذَا أَمْرٌ لاَ مَدْخَل لِلْعَقْل فِيهِ وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ السَّمْعُ، وَظَوَاهِرُ السَّمْعِ تَدُل عَلَى صِحَّةِ الْقَوْل الأَْوَّل. . أَيْ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ.
وَقَال الْحَطَّابُ: يَنْبَنِي عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ مَسْأَلَةٌ مِنَ الْجِرَاحِ، وَهِيَ: مَنْ شُجَّ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً أَوْ مُوضِحَةً خَطَأً فَذَهَبَ عَقْلُهُ. قَال فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَلَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ دِيَةُ الْعَقْل وَدِيَةُ الْمَأْمُومَةِ أَوِ الْمُوضِحَةِ، لاَ يَدْخُل بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ، إِذْ لَيْسَ الرَّأْسُ عِنْدَهُ مَحَل الْعَقْل وَإِنَّمَا مَحَلُّهُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ الْقَلْبُ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الشَّرْعِ، فَهُوَ كَمَنْ فَقَأَ عَيْنَ رَجُلٍ وَأَذْهَبَ سَمْعَهُ فِي ضَرْبَةٍ. وَعَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: إِنَّمَا لَهُ دِيَةُ الْعَقْل؛ لأَِنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّأْسُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفَلاَسِفَةِ، وَهُوَ كَمَنْ أَذْهَبَ بَصَرَ رَجُلٍ وَفَقَأَ عَيْنَهُ فِي ضَرْبَةٍ، وَهَذَا فِي الْخَطَأِ، وَأَمَّا فِي الْعَمْدِ فَيَقْتَصُّ مِنْهُ مِنَ الْمُوضِحَةِ، فَإِنْ ذَهَبَ عَقْل الْمُقْتَصِّ مِنْهُ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ فَدِيَةُ ذَلِكَ فِي مَال الْجَانِي، وَفِي الْمَأْمُومَةِ لَهُ دِيَتُهَا وَدِيَةُ الْعَقْل (1) .
__________
(1) مواهب الجليل 1 / 231 - 232، والذخيرة ص 235.

الصفحة 66