كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
الْمَصْلَحَةِ هُنَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَل الإِْمَامُ ذَلِكَ بَطَلَتْ شَوْكَةُ الإِْمَامِ، وَصَارَتْ دِيَارُهُ عُرْضَةً لاِسْتِيلاَءِ الْكُفَّارِ، وَإِنَّمَا نِظَامُ ذَلِكَ كُلُّهُ شَوْكَةُ الإِْمَامِ، فَالَّذِينَ يُحَذِّرُونَ مِنَ الدَّوَاعِي لَوْ تَنْقَطِعُ عَنْهُمُ الشَّوْكَةُ - أَيْ لَوْ ضَعُفَ الْجَيْشُ عَنِ الدِّفَاعِ - يَسْتَحْقِرُونَ بِالإِْضَافَةِ إِلَيْهَا أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا، فَضْلاً عَنِ الْيَسِيرِ مِنْهَا، فَإِذَا عُورِضَ هَذَا الضَّرَرُ الْعَظِيمُ بِالضَّرَرِ اللاَّحِقِ بِهِمْ بِأَخْذِ الْبَعْضِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَلاَ يَتَسَاوَى فِي تَرْجِيحِ الثَّانِي عَنِ الأَْوَّل، وَهُوَ مَا يُعْلَمُ مِنْ مَقْصُودِ الشَّرْعِ قَبْل النَّظَرِ فِي الشَّوَاهِدِ (1) .
وَيَقُول الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى: مَا كَانَ مُسْتَحِقًّا عَلَى بَيْتِ الْمَال عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ وَالإِْرْفَاقِ دُونَ الْبَدَل، فَاسْتِحْقَاقُهُ مُعْتَبَرٌ بِالْوُجُودِ دُونَ الْعَدَمِ، فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي بَيْتِ الْمَال وَجَبَ فِيهِ وَسَقَطَ فَرْضُهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْ بَيْتِ الْمَال، وَكَانَ إِنْ عَمَّ ضَرَرُهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى يَقُومَ بِهِ مِنْهُمْ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ، وَذَلِكَ كَالْجِهَادِ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَعُمُّ ضَرَرُهُ كَوُعُورِ طَرِيقٍ قَرِيبٍ، يَجِدُ النَّاسُ طَرِيقًا غَيْرَهُ بَعِيدًا، أَوِ
__________
(1) الاعتصام 2 / 104، وانظر المستصفى للغزالي 1 / 303، 304
انْقِطَاعِ شَرْبٍ يَجِدُ النَّاسُ شَرْبًا غَيْرَهُ، فَإِذَا سَقَطَ وَجُوبُهُ عَنْ بَيْتِ الْمَال بِالْعَدَمِ سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنِ الْكَافَّةِ لِوُجُودِ الْبَدَل (1) .
4 - وَأَمَّا الْجَائِزُ مِنَ النَّوَائِبِ فَهُوَ مِثْل مَا يَأْخُذُهُ الْجُنْدُ عَلَى خِفَارَةِ الْحَجِيجِ لِيَدْفَعُوا عَنْهُمْ كُل يَدٍ عَادِيَةٍ، قَال الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْوَلِيدِ: هِيَ مِنْ وَجْهٍ تُشْبِهُ سَائِرَ النَّفَقَاتِ اللاَّزِمَةِ؛ لأَِنَّ أَخْذَهَا لِلْجُنْدِ جَائِزٌ، إِذْ لاَ يَلْزَمُهُمُ الْخُرُوجُ مَعَهُمْ، فَهِيَ أُجْرَةٌ يَصْرِفُونَهَا فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاَحِ، وَهِيَ مِنْ وَجْهٍ تُشْبِهُ الظُّلْمَ؛ لأَِنَّ أَصْل تَوْظِيفِهَا خَوْفُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَنَقَل ذَلِكَ ابْنُ جُمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ فِي مَنْسِكِهِ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ وَزَادَ عَلَيْهِ: وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَى جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِمْ مَنْ يَخْفِرُهُمْ مِنَ الأَْعْرَابِ وَاللُّصُوصِ مَعَ تَجْوِيزِ الْغَرَرِ (2) .
وَنَقَل الدُّسُوقِيُّ عَنِ الْمِعْيَارِ أَنَّهُ سُئِل أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدُوسِيُّ عَمَّنْ يَحْرُسُ النَّاسَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُخِيفَةِ، وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَالاً؟ فَأَجَابَ: ذَلِكَ جَائِزٌ بِشُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ لَهُ جَاهٌ قَوِيٌّ بِحَيْثُ لاَ يُتَجَاسَرُ عَلَيْهِ عَادَةً، وَأَنْ يَكُونَ مَسِيرُهُ مَعَهُمْ بِقَصْدِ تَجْوِيزِهِمْ فَقَطْ لاَ
__________
(1) الأحكام السلطانية للماوردي ص 214، 215، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 252
(2) مواهب الجليل للحطاب 2 / 496
الصفحة 7
426