كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
وَأَمَّا الْحَجُّ: فَالنِّيَّةُ فِيهِ سَابِقَةٌ عَنِ الأَْدَاءِ عِنْدَ الإِْحْرَامِ، وَهُوَ النِّيَّةُ مَعَ التَّلْبِيَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ، وَلاَ يُمْكِنُ فِيهِ الْقِرَانُ أَوِ التَّأَخُّرُ؛ لأَِنَّهُ لاَ تَصِحُّ أَفْعَالُهُ إِلاَّ إِذَا تَقَدَّمَ الإِْحْرَامُ، وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ أَوْ شَرْطٌ. . . عَلَى قَوْلَيْنِ:
وَعِنْدَ اشْتِرَاطِ بَقَاءِ النِّيَّةِ فِي كُل رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْعِبَادَةِ، أَوْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، قَال ابْنُ نُجَيْمٍ: قَالُوا فِي الصَّلاَةِ: لاَ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْبَقَاءِ لِلْحَرَجِ، فَكَذَا بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ: لاَ تَلْزَمُ نِيَّةُ الْعِبَادَةِ فِي كُل جُزْءٍ، إِنَّمَا تَلْزَمُ فِي جُمْلَةِ مَا يَفْعَلُهُ فِي كُل حَالٍ، وَإِنْ تَعَمَّدَ أَنْ لاَ يَنْوِيَ الْعِبَادَةَ بِبَعْضِ مَا يَفْعَلُهُ مِنَ الصَّلاَةِ، لاَ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ، ثُمَّ إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلاً لاَ تَتِمُّ الْعِبَادَةُ بِدُونِهِ فَسَدَتْ، وَإِلاَّ فَلاَ وَقَدْ أَسَاءَ.
وَقَال ابْنُ نُجَيْمٍ: الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْعِبَادَةَ ذَاتَ الأَْفْعَال يُكْتَفَى بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهَا، وَلاَ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي كُل فِعْلٍ، اكْتِفَاءً بِانْسِحَابِهَا عَلَيْهَا، إِلاَّ إِذَا نَوَى بِبَعْضِ الأَْفْعَال غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ، قَالُوا: لَوْ طَافَ طَالِبًا الْغَرِيمَ لاَ يُجْزِئُهُ، وَلَوْ وَقَفَ كَذَلِكَ بِعَرَفَاتٍ أَجْزَأَهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ قُرْبَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِخِلاَفِ الْوُقُوفِ، وَفَرَّقَ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَهُمَا بِفَرْقٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ
الإِْحْرَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ مَا يُفْعَل فِي الإِْحْرَامِ، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّيَّةِ، وَالطَّوَافُ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّل وَفِي الإِْحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْل النِّيَّةِ لاَ تَعْيِينُ الْجِهَةِ (1) .
15 - وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَقْتَ النِّيَّةِ ضِمْنَ شُرُوطِهَا، فَقَالُوا: أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْمَنْوِيِّ؛ لأَِنَّ أَوَّل الْعِبَادَةِ لَوْ عَرَا مِنَ النِّيَّةِ لَكَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَغَيْرِهَا، وَآخِرُ الصَّلاَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَوَّلِهَا وَتَبَعٌ لَهُ، بِدَلِيل أَنَّ أَوَّلَهَا إِنْ نَوَى نَفْلاً أَوْ وَاجِبًا أَوْ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً كَانَ آخِرُهَا كَذَلِكَ، فَلاَ يَصِحُّ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الصَّوْمَ لِلْمَشَقَّةِ، فَجَوَّزُوا عَدَمَ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لأَِوَّل الْمَنْوِيِّ لإِِتْيَانِ أَوَّل الصَّوْمِ حَالَةَ النَّوْمِ غَالِبًا، وَالزَّكَاةَ فِي الْوَكَالَةِ عَلَى إِخْرَاجِهَا؛ عَوْنًا عَلَى الإِْخْلاَصِ وَدَفْعًا لِحَاجَةِ الْفَقِيرِ مِنْ بَاذِلِهَا، فَتُقَدَّمُ النِّيَّةُ عِنْدَ الْوَكَالَةِ وَلاَ تَتَأَخَّرُ لإِِخْرَاجِ الْمَنْوِيِّ.
وَجَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ - كَمَا نَقَل الْقَرَافِيُّ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ - تُقَدَّمُ النِّيَّةُ عِنْدَمَا يَأْخُذُ فِي أَسْبَابِ الطَّهَارَةِ بِذَهَابِهِ إِلَى الْحَمَّامِ أَوِ النَّهْرِ، بِخِلاَفِ الصَّلاَةِ، وَخَالَفَهُ سَحْنُونٌ فِي الْحَمَّامِ وَوَافَقَهُ فِي النَّهْرِ، وَفَرَّقَ بِأَنَّ النَّهْرَ لاَ يُؤْتَى غَالِبًا
__________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 42 - 45.
الصفحة 71