كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

إِلاَّ لِذَلِكَ، فَتَمَيَّزَتِ الْعِبَادَةُ فِيهِ، بِخِلاَفِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يُؤْتَى لِذَلِكَ وَلإِِزَالَةِ الدَّرَنِ، وَالرَّفَاهِيَةُ غَالِبَةٌ فِيهِ، فَلَمْ تَتَمَيَّزِ الْعِبَادَةُ وَافْتَقَرَتْ إِلَى النِّيَّةِ.
وَقِيل: لاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَتَّى تَتَّصِل بِفِعْل الْوَاجِبِ.
وَقِيل: إِذَا نَوَى عِنْدَ أَوَّل الْوُضُوءِ وَهُوَ أَوَّل السُّنَنِ أَجْزَأَهُ؛ لأَِنَّ الثَّوَابَ عَلَى السُّنَنِ، وَالتَّقَرُّبَ بِهَا إِنَّمَا يَحْصُل عِنْدَ النِّيَّةِ.
وَقِيل: إِنْ عَزَبَتْ نِيَّتُهُ قَبْل الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ وَبَعْدَ الْيَدَيْنِ لاَ يُجْزِئُهُ، وَإِنِ اتَّصَلَتْ بِهِمَا وَعَزَبَتْ قَبْل الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ؛ لأَِنَّ الْمَضْمَضَةَ مِنَ الْوَجْهِ وَبِهَا غَسْل ظَاهِرِ الْفَمِ وَهِيَ الشَّفَةُ مِنَ الْوَجْهِ (1) .
16 - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْغَرَضُ مِنَ النِّيَّاتِ تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ عَنِ الْعَادَاتِ أَوْ تَمْيِيزُ رُتَبِ الْعِبَادَاتِ، وَلِذَا وَجَبَ أَنْ تَقْتَرِنَ النِّيَّةُ بِأَوَّل الْعِبَادَةِ لِيَقَعَ أَوَّلُهَا مُمَيَّزًا ثُمَّ يَبْتَنِي عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، إِلاَّ أَنْ يَشُقَّ مُقَارَنَتُهَا إِيَّاهَا كَمَا فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ.
فَإِنْ تَأَخَّرَتِ النِّيَّةُ عَنْ أَوَّل الْعِبَادَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إِلاَّ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ؛ لأَِنَّ مَا مَضَى يَقَعُ مُرَدَّدًا بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ، أَوْ بَيْنَ رُتَبِ الْعِبَادَةِ.
__________
(1) الذخيرة ص 243.
وَإِنْ تَقَدَّمَتِ النِّيَّةُ، فَإِنِ اسْتَمَرَّتْ إِلَى أَنْ شَرَعَ فِي الْعِبَادَةِ أَجْزَأَهُ مَا اقْتَرَنَ مِنْهَا.
وَإِنِ انْقَطَعَتِ النِّيَّةُ قَبْل الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ لَمْ تَصِحَّ الْعِبَادَةُ لِتَرَدُّدِهَا، فَإِنْ قَرُبَ انْقِطَاعُهَا أَجْزَأَتْ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَفِيهِ بُعْدٌ؛ لأَِنَّهَا إِذَا انْقَطَعَتْ وَقَعَ ابْتِدَاءُ الْعِبَادَةِ مُرَدَّدًا، فَإِنِ اكْتَفَى بِالنِّيَّةِ السَّابِقَةِ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ بَعِيدِهَا وَقَرِيبِهَا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَصْحِبَ ذِكْرَ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ إِلَى آخِرِهِ لأَِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى مَقْصُودِ النِّيَّاتِ، وَلاَ يَفْعَل ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ لأَِنَّ قَلْبَهُ مَشْغُولٌ عَنْ ذِكْرِ النِّيَّةِ بِمُلاَحَظَةِ مَعْنَى الأَْذْكَارِ وَالْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ، فَكَانَ الاِشْتِغَال بِالأَْهَمِّ فِي الصَّلاَةِ أَوْلَى مِنْ مُلاَحَظَةِ النِّيَّةِ وَذِكْرِهَا.
وَيَكْفِي فِي الْعِبَادَةِ نِيَّةٌ فَرْدَةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (1) ، وَقَدْ قَال الشَّافِعِيُّ فِي الصَّلاَةِ: يَنْوِي مَعَ التَّكْبِيرِ لاَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ.
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَال: لاَ بُدَّ مِنَ اسْتِمْرَارِ النِّيَّةِ مِنْ أَوَّل التَّكْبِيرِ إِلَى آخِرِهِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلنِّيَّةِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْعُسْرِ
__________
(1) حديث: " إنما الأعمال بالنيات. . . ". تقدم تخريجه ف 8.

الصفحة 72