كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)
إِلَى تَعْيِينٍ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ احْتَاجَ إِلَى التَّعْيِينِ.
وَقَال كَذَلِكَ: الْحُقُوقُ إِذَا تَعَيَّنَتْ لِمُسْتَحِقِّيهَا كَالدَّيْنِ الْمَنْقُول فَإِنَّهُ مُعَيَّنٌ لِرَبِّهِ، فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ، مِثْل حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا تَعَيَّنَتْ لَهُ كَالإِْيمَانِ، وَإِنْ تَرَدَّدَ الْحَقُّ بَيْنَ دَيْنَيْنِ أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ وَالآْخَرُ بِغَيْرِ رَهْنٍ، فَإِنَّ الدَّفْعَ يَفْتَقِرُ فِي تَعْيِينِ الْمَدْفُوعِ لأَِحَدِهِمَا إِلَى النِّيَّةِ.
وَأَضَافَ الْقَرَافِيُّ: التَّصَرُّفَاتُ إِذَا كَانَتْ دَائِرَةً بَيْنَ جِهَاتٍ شَتَّى لاَ تَنْصَرِفُ لِجِهَةٍ إِلاَّ بِنْيَةٍ، كَمَنْ أَوْصَى لأَِيْتَامٍ فَاشْتَرَى سِلْعَةً لاَ تَتَعَيَّنُ لأَِحَدِهِمْ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ، وَمَتَى كَانَ التَّصَرُّفُ مُتَّحِدًا انْصَرَفَ إِلَى جِهَتِهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، فَإِنَّ مُبَاشَرَةَ الْعَقْدِ كَافِيَةٌ فِي حُصُول مِلْكِهِ لِلسِّلْعَةِ. . . وَالنِّيَّةُ فِي هَذِهِ الأُْمُورِ مَقْصُودُهَا التَّمْيِيزُ، وَمَقْصُودُهَا فِي الْعِبَادَاتِ التَّمْيِيزُ وَالتَّقَرُّبُ مَعًا (1) .
وَقَال الْحَطَّابُ: مِنْ فَرَائِضِ الصَّلاَةِ نِيَّةُ الصَّلاَةِ الْمُعَيَّنَةِ. قَال صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ: النِّيَّةُ الْكَامِلَةُ هِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: تَعْيِينُ الصَّلاَةِ، وَالتَّقَرُّبُ بِهَا، وَوُجُوبُهَا، وَآدَابُهَا. وَاسْتِشْعَارُ الإِْيمَانِ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، فَهَذِهِ هِيَ النِّيَّةُ الْكَامِلَةُ، فَإِنْ سَهَا عَنِ الإِْيمَانِ أَوْ وُجُوبِ الصَّلاَةِ أَوْ كَوْنِهَا أَدَاءً أَوِ التَّقَرُّبِ بِهَا، لَمْ
__________
(1) الذخيرة ص 237 - 239.
تَفْسُدْ إِذَا عَيَّنَهَا لاِشْتِمَال التَّعْيِينِ عَلَى ذَلِكَ. قَال صَاحِبُ الطِّرَازِ: وَالْمُعِيدُ لِلصَّلاَةِ فِي جَمَاعَةٍ وَالصَّبِيُّ لاَ يَتَعَرَّضَانِ لِفَرْضٍ وَلاَ لِنَفْلٍ.
وَمِنَ الذَّخِيرَةِ قَال صَاحِبُ الطِّرَازِ: النَّوَافِل عَلَى قِسْمَيْنِ: مُقَيَّدَةٌ وَمُطْلَقَةٌ. فَالْمُقَيَّدَةُ السُّنَنُ الْخَمْسُ وَهِيَ: الْعِيدَانِ وَالْكُسُوفُ وَالاِسْتِسْقَاءُ وَالْوَتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ، فَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ إِمَّا بِأَسْبَابِهَا أَوْ بِأَزْمَانِهَا، فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ نِيَّةِ التَّعْيِينِ، فَمَنِ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ ثُمَّ أَرَادَ رَدَّهَا إِلَى هَذِهِ لَمْ يَجُزْ. وَالْمُطْلَقَةُ مَا عَدَا هَذِهِ فَتَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ الصَّلاَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ فَهُوَ قِيَامُ اللَّيْل، أَوْ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ، أَوْ كَانَ مِنْهُ أَوَّل النَّهَارِ فَهُوَ الضُّحَى، أَوْ عِنْدَ دُخُول مَسْجِدٍ فَهُوَ تَحِيَّةٌ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعِبَادَاتِ مِنْ حَجٍّ أَوْ صَوْمٍ أَوْ عُمْرَةٍ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى التَّعْيِينِ فِي مُطْلَقِهِ، بَل يَكْفِي فِيهِ أَصْل الْعِبَادَةِ (1) .
21 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِيمَا يَلْتَبِسُ دُونَ غَيْرِهِ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنَّمَا لِكُل امْرِئٍ مَا نَوَى. . . فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ؛ لأَِنَّ أَصْل النِّيَّةِ فُهِمَ مِنْ أَوَّل الْحَدِيثِ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (2) .
__________
(1) الحطاب 1 / 515.
(2) حديث: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. . . ". تقدم تخريجه ف 8.
الصفحة 77