كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

إِخْلاَصُ الْعَمَل لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالثَّانِيَةُ: تَكُونُ فِي الْمُحْتَمَل لِلشَّيْءِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ كَأَدَاءِ الدُّيُونِ إِذَا أَقْبَضَهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِل التَّمْلِيكَ هِبَةً وَقَرْضًا وَوَدِيعَةً وَإِبَاحَةً، فَلاَ بُدَّ مِنْ نِيَّةِ تَمْيِيزِ إِقْبَاضِهِ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الإِْقْبَاضِ. وَلاَ تُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ، كَمَنْ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنًا فَسَلَّمَهَا إِلَى مُسْتَحِقِّيهَا لاَ يَقَعُ عَنْهُ الدَّيْنُ مَا لَمْ يَقْصِدْ أَدَاءَهُ، وَمِثْلُهُ كُل مَنْ جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ كَالْوَكِيل وَالْوَصِيِّ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ وَيَتِيمِهِ، فَإِذَا أُطْلِقَ الشِّرَاءُ يَنْصَرِفُ لِنَفْسِهِ وَلاَ يَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِهِ إِلاَّ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تُمَيِّزُهُ عَنِ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ (1) .

عَلاَقَةُ النِّيَّةِ بِالإِْخْلاَصِ:
37 - فَرَّقَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالإِْخْلاَصِ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُفَرِّقْ، وَنُوَضِّحُ آرَاءَهُمْ فِيمَا يَلِي:
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ الإِْخْلاَصِ فِيهَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ، لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْخُلاَصَةِ بِأَنَّهُ لاَ رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: شَرَعَ فِي الصَّلاَةِ بِالإِْخْلاَصِ ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ فَالْعِبْرَةُ
__________
(1) المنثور 3 / 285 - 287.
لِلسَّابِقِ، وَلاَ رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ. ثُمَّ قَال: الصَّلاَةُ لإِِرْضَاءِ الْخُصُومِ لاَ تُفِيدُ، بَل يُصَلِّي لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَانَ خَصْمُهُ لَمْ يَعْفُ يُؤْخَذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَقَدْ أَفَادَ الْبَزَّازِيُّ بِقَوْلِهِ " فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ ": إِنَّ الْفَرَائِضَ مَعَ الرِّيَاءِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْوَاجِبِ. وَلَكِنْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الأُْضْحِيَةِ أَنَّ الْبَدَنَةَ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ إِنْ كَانَ الْكُل مُرِيدِينَ الْقُرْبَةَ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ جِهَاتُهُمْ مِنْ أُضْحِيَةٍ وَقِرَانٍ وَمُتْعَةٍ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ مُرِيدًا لَحْمًا لأَِهْلِهِ أَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا لَمْ يُجْزِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَعَلَّلُوا بِأَنَّ الْبَعْضَ إِذَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً خَرَجَ الْكُل عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً؛ لأَِنَّ الإِْرَاقَةَ لاَ تَتَجَزَّأُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَبَحَهَا أُضْحِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لاَ تُجْزِئُهُ بِالأَْوْلَى، وَيَنْبَغِي أَنْ تَحْرُمَ.
وَفِي التَّاتَارَخَانِيَّةِ: لَوِ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ دَخَل فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ، وَالرِّيَاءُ: أَنَّهُ لَوْ خَلَّى عَنْهُ النَّاسُ لاَ يُصَلِّي وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي، فَأَمَّا لَوْ صَلَّى مَعَ النَّاسِ يُحْسِنُهَا وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لاَ يُحْسِنُ، فَلَهُ ثَوَابُ أَصْل الصَّلاَةِ دُونَ الإِْحْسَانِ، وَلاَ يَدْخُل الرِّيَاءُ فِي الصَّوْمِ.

الصفحة 88