كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 42)

الْوُضُوءِ، لِيَقَعَ قُرْبَةً وَلِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ الْفَرْضِ بِالإِْجْمَاعِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ شَرْطًا وَلاَ فَرْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1) } ، أَمَرَ بِالْغَسْل وَالْمَسْحِ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ النِّيَّةِ، وَلاَ يَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ إِلاَّ بِدَلِيلٍ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا (2) } ، نَهَى الْجُنُبَ عَنْ قُرْبَانِ الصَّلاَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَابِرَ سَبِيلٍ إِلَى غَايَةِ الاِغْتِسَال مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ النِّيَّةِ، فَيَقْتَضِي انْتِهَاءَ حُكْمِ النَّهْيِ عِنْدَ الاِغْتِسَال الْمُطْلَقِ، وَلأَِنَّ الأَْمْرَ بِالْوُضُوءِ لِحُصُول الطَّهَارَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ (3) } ، وَحُصُول الطَّهَارَةِ لاَ يَقِفُ عَلَى النِّيَّةِ بَل عَلَى اسْتِعْمَال الْمُطَهِّرِ فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلطَّهَارَةِ، وَالْمَاءُ مُطَهِّرٌ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ (4) ، وَقَال
__________
(1) سورة المائدة / 6.
(2) سورة النساء / 43.
(3) سورة المائدة / 6.
(4) حديث: " إن الماء طهور لا ينجسه شيء ". أخرجه الترمذي (1 / 95 - 96) من حديث أبي سعيد، وقال: حديث حسن.
تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (1) } ، وَالطَّهُورُ اسْمٌ لِلطَّاهِرِ فِي نَفْسِهِ الْمُطَهِّرِ لِغَيْرِهِ، وَالْمَحَل قَابِلٌ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَمَل الْمَاءِ خِلْقَةً وَفِعْل اللِّسَانِ فَضْلٌ فِي الْبَابِ حَتَّى لَوْ سَال عَلَيْهِ الْمَطَرُ أَجْزَأَهُ عَنِ الْوُضُوءِ وَالْغَسْل، فَلاَ يُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ، إِذِ اشْتِرَاطُهَا لاِعْتِبَارِ الْفِعْل الاِخْتِيَارِيِّ، وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ اللاَّزِمَ لِلْوُضُوءِ مَعْنَى الطَّهَارَةِ، وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ مِنَ الزَّوَائِدِ، فَإِنِ اتَّصَلَتْ بِهِ النِّيَّةُ يَقَعْ عِبَادَةً وَإِنْ لَمْ تَتَّصِل بِهِ لاَ يَقَعْ عِبَادَةً لَكِنَّهُ يَقَعُ وَسِيلَةً إِلَى إِقَامَةِ الصَّلاَةِ لِحُصُول الطَّهَارَةِ كَالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ (2) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ النِّيَّةَ فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ، قَال ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ حَارِثٍ: اتِّفَاقًا، وَقَال الْمَازِرِيُّ: عَلَى الأَْشْهَرِ، وَقَال ابْنُ الْحَاجِبِ: عَلَى الأَْصَحِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ.
وَمُقَابِل الأَْشْهَرِ وَالأَْصَحِّ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ.
وَمَنْشَأُ الْخِلاَفِ أَنَّ فِي الطَّهَارَةِ - كَالْوُضُوءِ - شَائِبَتَيْنِ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا
__________
(1) سورة الفرقان / 48.
(2) رد المحتار على الدر المختار 1 / 72 - 73، وبدائع الصنائع 1 / 19 - 20.

الصفحة 96