كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

وَقَدْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الإِْيدَاعَ عَقْدُ اسْتِحْفَاظٍ، وَحِفْظُ الشَّيْءِ بِدُونِ إِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُحَالٌ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْتِزَامُ الْوَدِيعِ بِحِفْظِهِ، لِعَدَمِ إِمْكَانِ إِحْرَازِهِ وَحَوْزِهِ، امْتَنَعَ تَكْلِيفُهُ شَرْعًا بِهِ فِي عَقْدِ الْوَدِيعَةِ لِعُسْرِهِ أَوِ اسْتِحَالَتِهِ فِي حَقِّهِ، إِذْ لاَ تَكْلِيفَ بِمَا لاَ يُطَاقُ، وَلاَ اعْتِبَارَ لِعَقْدٍ لاَ يُتَصَوَّرُ تَنْفِيذُهُ (1) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَاشْتَرَطُوا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُودَعَةُ مَالاً أَوْ مُخْتَصًّا، وَلَمْ يَقْصُرُوهَا عَلَى الْمَال وَحْدَهُ.
وَبِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ نَصُّوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ إِيدَاعِ الْخَمْرِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ؛ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ.
وَبِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْمُخْتَصِّ قَالُوا: أَمَّا مَا فِيهِ اخْتِصَاصٌ كَجِلْدِ مَيْتَةٍ لَمْ يُدْبَغْ، وَزِبْلٍ، وَكَلْبِ صَيْدٍ مُحْتَرَمٍ، وَنَحْوِهَا، فَيَجُوزُ إِيدَاعُهُ كَالْمَال، لِجَوَازِ اقْتِنَائِهِ، بِخِلاَفِ النَّجِسِ الَّذِي لاَ يُقْتَنَى، وَالْكَلْبِ الَّذِي لاَ يَنْفَعُ بِحِرَاسَةٍ أَوْ صَيْدٍ، وَآلاَتِ اللَّهْوِ، فَلاَ يَصِحُّ إِيدَاعُهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُحْتَرَمَةٍ، وَلاَ يَجُوزُ تَمَوُّلُهَا وَلاَ اقْتِنَاؤُهَا. (2)
__________
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةُ 4 / 338، وَالدَّرُّ الْمُنْتَقَى 2 / 336، وَالْعِنَايَةُ وَالْكِفَايَةُ عَلَى الْهِدَايَةِ 7 / 452، وَالْبَحْرُ الرَّائِقُ 7 / 273، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ 4 / 494.
(2) كَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 185، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ 3 / 74، 75، وَتُحْفَةُ الْمُحْتَاجِ 7 / 99، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 324.
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ إِيدَاعِ الصُّكُوكِ وَالْوَثَائِقِ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ. (1)

أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُودَعَةُ مَنْقُولاً:
16 - ذَهَبَ ابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ الْمُودَعَةِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ نَقْلُهُ فَيَخْرُجُ الْعَقَارُ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ) إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ، فَتَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُودَعَةُ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولاً. (2)

آثَارُ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ:
17 - إِذَا انْعَقَدَ الإِْيدَاعُ صَحِيحًا، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ آثَارٍ: كَوْنُ الْوَدِيعَةِ أَمَانَةً عِنْدَ الْوَدِيعِ
__________
(1) التَّاجُ وَالإِْكْلِيل وَمَوَاهِبُ الْجَلِيل 5 / 250، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 113، وَمَيَّارَةٍ عَلَى التُّحْفَةِ 2 / 188، وَحَاشِيَةُ الْبُنَانِيِّ عَلَى شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ لِمُخْتَصَرِ خَلِيلٍ 6 / 114، وَالشَّرْحُ الْكَبِيرُ، وَحَاشِيَةُ الدُّسُوقِيِّ 3 / 419، وَانْظُرِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةَ 4 / 353، وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ 3 / 87، وَالْقَلْيُوبِيَّ 3 / 187، وَحَاشِيَةُ الشَّرْوَانِيِّ عَلَى تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ 7 / 128.
(2) مَوَاهِبُ الْجَلِيل 5 / 251، وَانْظُرِ الْمُدَوَّنَةَ 15 / 126، 128، وَحَاشِيَةَ الْبُنَانِيِّ عَلَى شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ 6 / 113، وَالدَّرَّ الْمُخْتَارَ مَعَ رَدِّ الْمُحْتَارِ 4 / 499، وَرَوْضَةَ الطَّالِبِينَ 6 / 324، وَحَاشِيَةَ الشِّرْوَانِيِّ عَلَى تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ 7 / 101.

الصفحة 21