كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

وَفِي هَذَا الْمَقَامِ ذَكَرَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ لِلْوَدِيعِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِنَفْسِهِ أَوْ عِنْدَ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَى حِفْظِ مَالِهِ مِنْ عِيَالِهِ، كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَنَحْوِهِمْ، (1) لأَِنَّ الإِْنْسَانَ لاَ يَلْتَزِمُ بِحِفْظِ مَال غَيْرِهِ عَادَةً إِلاَّ بِمَا يَحْفَظُ بِهِ مَال نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ يَحْفَظُ مَال نَفْسِهِ بِيَدِهِ مَرَّةً وَبِيَدِ هَؤُلاَءِ أُخْرَى، فَلَهُ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِيَدِهِمْ أَيْضًا. (2)
وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا وَضَعَهَا عِنْدَ مَنْ لاَ يَأْتَمِنُهُ مِنْهُمْ وَلاَ يَحْفَظُ مَالَهُ عِنْدَهُمْ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ ضَامِنًا، لأَِنَّهُ تَفْرِيطٌ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ.
__________
(1) الْبَحْر الرَّائِق 7 / 274، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 339، وَمَجْمَع الأَْنْهُر 2 / 339، وَرَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 494، وَالْعُقُود الدُّرِّيَّة 2 / 71، 78، دُرَر الْحُكَّام 2 / 239، النَّتْف فِي الْفَتَاوَى للسغدي 2 / 580، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 257، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 117، الْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 2 / 466، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 311، الْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ ص 403، وَالتَّفْرِيع لاِبْن الْجَلاَّب 2 / 271، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 252، رَوْضَة الْقُضَاة 2 / 618، وَالْمُبْدِع 5 / 237، وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَى كِفَايَة الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ 2 / 254، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 452، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 187، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 9 / 260.
(2) بَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 208.
وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ نَهَاهُ عَنْ دَفْعِهَا إِلَى بَعْضِ عِيَالِهِ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ضَمِنَ إِنْ كَانَ لَهُ بُدٌّ بِأَنْ كَانَ لَهُ عِيَال غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْهُ لاَ يَضْمَنُ. (1)
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْعِيَال الَّذِينَ يَجُوزُ لِلْوَدِيعِ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ إِلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا تَحْتَ غَلْقِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدَةٍ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ بِلاَ عُذْرٍ مِنْ غَيْرِ إِذَنِ الْمَالِكِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ ضَامِنًا، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ كَزَوْجَتِهِ وَابْنِهِ وَنَحْوِهِمْ. أَوْ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ؛ لأَِنَّ الْمُسْتَوْدِعَ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِ لاَ بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ، فَإِنْ فَعَل ذَلِكَ كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَيَلْزَمَهُ ضَمَانُهَا. (3)

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مُدَّةُ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ:
27 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْوَدِيعِ أَنْ يَحْفَظَ بِهَا الْوَدِيعَةَ إِذَا غَابَ رَبُّهَا غَيْبَةً
__________
(1) ابْن عَابِدِينَ 4 / 495، وَالْبَدَائِع 6 / 209، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 279.
(2) الْمُقْدِمَات الْمُمَهِّدَات 2 / 466.
(3) تُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 105، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 327، وَكِفَايَة الأَْخْيَار 2 / 8، وَالْمَحَلِّيّ عَلَى الْمِنْهَاجِ 3 / 182، اخْتِلاَف الْعِرَاقِيِّينَ 4 / 63 (مَطْبُوع بِهَامِش الأُْمّ لِلشَّافِعِيِّ) .

الصفحة 32