كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

مُنْقَطِعَةً، أَيْ فُقِدَ بِحَيْثُ لاَ يُدْرَى أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ، وَمَاذَا يَفْعَل بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
(الأَْوَّل) لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا حَتَّى يَعْلَمَ مَوْتَ صَاحِبِهَا أَوْ حَيَاتَهُ؛ لأَِنَّهُ الْتَزَمَ حِفْظَهَا لَهُ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ لِحَدِيثِ وَفَاءً لاَ غَدْرًا " (1) ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا، كَمَا هُوَ الْحَال فِي اللُّقَطَةِ؛ لأَِنَّ مَالِكَ اللُّقَطَةِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِلْمُلْتَقِطِ فَبَعْدَ التَّعْرِيفِ يَكُونُ التَّصَدُّقُ بِهَا طَرِيقًا لإِِيصَالِهَا إِلَيْهِ، بِخِلاَفِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ مَالِكَهَا مَعْلُومٌ، فَكَانَ طَرِيقُ إِيصَالِهَا الْحِفْظَ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْمَالِكُ أَوْ يَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ، فَيَطْلُبُهَا وَارِثُهُ، وَيَدْفَعُهَا إِلَيْهِ. قَالُوا: إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ مِمَّا يَفْسُدُ أَوْ يَتْلَفُ بِالْمُكْثِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْوَدِيعِ بِيعُهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَحِفْظُ ثَمَنِهَا أَمَانَةٌ عِنْدَهُ مِثْل أَصْلِهَا؛ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَبِعْهَا، فَفَسَدَتْ بِالْمُكْثِ لاَ يَضْمَنُ؛ لأَِنَّهُ حَفِظَ الْوَدِيعَةَ عَلَى
__________
(1) حَدِيثُ: " وَفَاءً لاَ غَدْرًا ". وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْل عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَح
الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ (1) .
(الثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ بِهَا إِلَى أَقْصَى مَا يَحْيَى الْمُودِعُ إِلَى مِثْلِهِ، ثُمَّ يَدْفَعُهَا إِلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، تَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُ. (2)
(الثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا مَالٌ ضَائِعٌ، فَمَتَى لَمْ يَيْأَسْ مِنْ مَالِكِهِ أَمْسَكَهُ لَهُ أَبَدًا، مَعَ التَّعْرِيفِ بِهِ نَدْبًا، أَوْ أَعْطَاهُ لِلْقَاضِي الأَْمِينِ، فَيَحْفَظُهُ لَهُ كَذَلِكَ، وَمَتَى أَيِسَ مِنْهُ، أَيْ بِأَنْ يَبْعُدَ فِي الْعَادَةِ وُجُودُهُ فِيمَا يَظْهَرُ، صَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَال بَيْتِ الْمَال، فَيَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهَا مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، أَوْ يَدْفَعُهُ لِلإِْمَامِ مَا لَمْ يَكُنْ جَائِرًا فِيمَا يَظْهَرُ. (3)
وَأَفْتَى الشَّيْخُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهَا بَعْدَ الْبَحْثِ التَّامِّ،
__________
(1) الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 346، وَالْعُقُود الدُّرِّيَّة لاِبْنِ عَابِدِينَ 2 / 70، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ لِلأَْتَاسِيِّ 3 / 255، وَالْمَبْسُوط 11 / 129، وَرَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 501، وَقُرَّة عُيُون الأَْخْيَار 2 / 261، وَالْمَادَّة (785) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّة، وَدُرَر الْحُكَّام 2 / 250.
(2) التَّفْرِيع لاِبْن الْجَلاَّب 2 / 271، وَالْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ ص 137 ط حَسَّان، وَالْمُدَوَّنَة 15 / 160.
(3) تُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 127، وَمَا بَعْدَهَا، وَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ 3 / 92.

الصفحة 33