كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ التَّسْلِيمُ بِذَلِكَ، لاِحْتِمَال أَنَّهُ كَتَبَهُ نَاسِيًا وَإِمْكَانِ وُقُوعِ التَّزْوِيرِ بِالْخَطِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (1) وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ التَّسْلِيمُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ إِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ أَوْ وَصِيَّتِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ. (2) قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ تَثْبُتُ الْوَدِيعَةُ إِلاَّ بِإِقْرَارٍ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ وَرَثَتِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهَا، وَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهَا مَكْتُوبًا وَدِيعَةٌ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ كَانَتْ فِيهِ وَدِيعَةٌ قَبْل هَذَا، أَوْ كَانَ وَدِيعَةً لِمُوَرِّثِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَابْتَاعَهَا، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ فِي رَزْمَانِجِ أَبِيهِ أَنَّ لِفُلاَنٍ عِنْدِي وَدِيعَةً، لَمْ يَلْزَمْهُ بِذَلِكَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَدَّهَا وَنَسِيَ الضَّرْبَ عَلَى مَا كَتَبَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ. (3)

اسْتِيفَاءُ الْوَدِيعِ حَقَّهُ مِنَ الْوَدِيعَةِ: 34 - إِذَا كَانَ لِلْوَدِيعِ عَلَى مَالِكِ الْوَدِيعَةِ حَقٌّ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ؛ لِجُحُودِهِ وَامْتِنَاعِهِ بِالْبَاطِل عَنْ أَدَائِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْوَدِيعِ حَقَّهُ مِنَ الْوَدِيعَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ.
__________
(1) أَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 78، وَكِفَايَة الأَْخْيَار 2 / 8، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 203
(2) رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 331، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 78.
(3) الْمُغْنِي 9 / 270.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (ظَفَرٌ بِالْحَقِّ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا، وَاسْتِيفَاء ف 17 ـ 18) .

مُوجِبَاتُ ضَمَانِ الْوَدِيعَةِ:
35 - الأَْصْل فِي الْوَدِيعَةِ أَنَّهَا أَمَانَةٌ، وَأَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ فِي الْوَدِيعَةِ إِلاَّ إِذَا فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا؛ لأَِنَّ الْمُفَرِّطَ مُتَسَبِّبٌ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهَا أَوْ تَعَدَّى عَلَى الْوَدِيعَةِ؛ لأَِنَّ الْمُتَعَدِّيَ مُتْلِفٌ لِمَال غَيْرِهِ فَيَضْمَنُهُ، (1) وَقَدْ فَصَّل الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ، وَبَيَانُهُ فِيمَا يَلِي:

أـ إِتْلاَفُ الْوَدِيعَةِ: 36 - إِتْلاَفُ الْوَدِيعَةِ هُوَ أَنْ يَفْعَل الْوَدِيعُ بِالْوَدِيعَةِ مَا يُؤَدِّي إِلَى ذَهَابِهَا وَضَيَاعِهَا، أَوْ إِخْرَاجِهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهَا الْمَنْفَعَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْهَا عَادَةً، كَإِحْرَاقِ الثَّوْبِ، وَقَتْل الْحَيَوَانِ، وَأَكْل الطَّعَامِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْوَدِيعِ اقْتِرَافُ هَذَا الْعَمَل فِي حَالَةِ السَّعَةِ وَالاِخْتِيَارِ، (2) لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَال، (3) وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُل الْمُسْلِمِ عَلَى
__________
(1) كَشَّاف الْقِنَاع 4 / 167.
(2) الإِْشْرَاف عَلَى مَذَاهِبِ أَهْل الْعِلْمِ لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 264، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 114، وَمَوَاهِب الْجَلِيل 5 / 251.
(3) حَدِيث: نُهِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَال وَرَدَ فِي قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيل وَقَال، وَإِضَاعَة الْمَال، وَكَثْرَة السُّؤَال ". أَخْرَجَهُ ال (فَتْح الْبَارِي 5 / 68) ، وَمُسْلِم (3 / 1341) مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَة بْن شُعْبَةَ، وَاللَّفْظ لِمُسْلِم.

الصفحة 40