كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " (1) .
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ إِتْلاَفَ الْوَدِيعِ لِلْوَدِيعَةِ بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهَا يُوجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانَهَا؛ لِكَوْنِهِ تَعَدِّيًا عَلَيْهَا يُنَافِي الْمُوجَبَ الأَْصْلِيَّ لِعَقْدِ الإِْيدَاعِ، وَهُوَ الْحِفْظُ، وَلأَِنَّ إِتْلاَفَ مَال الْغَيْرِ بِدُونِ إِذْنِهِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ أَهْل الْعِلْمِ، (2) وَقَدْ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (787) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ: إِذَا هَلَكَتِ الْوَدِيعَةُ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِسَبَبِ تَعَدِّي الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ تَقْصِيرِهِ، لَزِمَهُ الضَّمَانُ.

وَهُنَاكَ مَسَائِل تَتَعَلَّقُ بِإِتْلاَفِ الْوَدِيعِ لِلْوَدِيعَةِ هِيَ: الْمَسْأَلَةُ الأُْولَى: إِتْلاَفُ الْوَدِيعَةِ بِأَمْرِ صَاحِبِهَا: 37 - لَوْ أَمَرَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْوَدِيعَ بِإِتْلاَفِهَا،
__________
(1) حَدِيث: " كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ. . . " أَخْرَجَهُ مُسْلِم (4 / 1986 ـ ط الْحَلَبِيِّ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(2) الْقَوَانِين الْفِقْهِيَّة ص 379، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 82، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 213، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 114.
بِأَنْ يُلْقِيَهَا فِي الْبَحْرِ أَوْ يَحْرِقَهَا فِي النَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ إِتْلاَفِهَا. (1) وَلَوْ فَعَل، فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، لإِِذْنِ الْمَالِكِ لَهُ بِذَلِكَ، لأَِنَّ الْحَقَّ فِي الْوَدِيعَةِ ثَابِتٌ لِصَاحِبِهَا، وَقَدْ أَسْقَطَهُ حِينَ أَذِنَ لَهُ بِإِتْلاَفِهَا، فَصَارَ كَمَا لَوِ اسْتَنَابَهُ فِي مُبَاحٍ، فَلاَ يَغْرَمُ الْوَدِيعُ لَهُ شَيْئًا.
وَلأَِنَّ لتَحْرِيمِ الْفِعْل أَثَرَهُ فِي بَقَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ التَّأْثِيمُ، أَمَّا حَقُّ الآْدَمِيِّ، فَلاَ يَبْقَى مَعَ الإِْذْنِ فِي تَفْوِيتِهِ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ. (2)
وَالثَّانِي: هُوَ ضَامِنٌ، كَمَنْ قَال لِرَجُلٍ: اقْتُلْنِي أَوْ وَلَدِي، فَفَعَل، وَلأَِنَّ مُقْتَضَى عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وُجُوبُ حِفْظِهَا عَلَى الْوَدِيعِ، فَصَارَ الإِْذْنُ لَهُ فِي إِتْلاَفِهَا، كَشَرْطٍ مُنَاقِضٍ لِمُقْتَضَى عَقْدِهَا، فَيُلْغَى. (3) قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلأَِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ إِتْلاَفِ الْمَال فِي غَيْرِ حَال الضَّرُورَةِ،
__________
(1) مَوَاهِب الْجَلِيل 5 / 251، وَالْمُغْنِي 9 / 276، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 264.
(2) شَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 451، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 189، وَالْمُبْدِع 5 / 236، وَالْمُغْنِي 9 / 276، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 114، وَمَوَاهِب الْجَلِيل 5 / 251، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 264، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 78، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 114.
(3) الزُّرْقَانِيِّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 114.

الصفحة 41