كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

مُتَفَاوِتُونَ فِي الْحِفْظِ وَالأَْمَانَةِ، وَالْمُودِعُ إِنَّمَا رَضِيَ بِحِفْظِهِ وَأَمَانَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى أَنْ يُودِعَهَا غَيْرَهُ، فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَى أَجْنَبِيٍّ، فَقَدْ صَارَ تَارِكًا الْحِفْظَ الَّذِي الْتَزَمَهُ، مُسْتَحْفِظًا عَلَيْهَا مَنِ اسْتَحْفَظَ مِنْهُ، وَذَلِكَ تَفْرِيطٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ. وَإِنَّمَا اسْتَثْنَيْتُ حَالَةَ الْعُذْرِ، لأَِنَّ الدَّفْعَ إِلَيْهِ فِيهَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْحِفْظِ، فَكَانَ مَأْذُونًا بِهِ مِنَ الْمَالِكِ دَلاَلَةً، فَارْتَفَعَ سَبَبُ الضَّمَانِ. (1)
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، فَقَال: لَهُ إِيدَاعُهَا عِنْدَ الأَْجْنَبِيِّ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ إِحْرَازُهَا وَحِفْظُهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ، فَالإِْنْسَانُ قَدْ يُودِعُ مَال نَفْسِهِ عِنْدَ أَجْنَبِيٍّ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ حَفِظَهَا فِي حِرْزِهِ. وَبِأَنَّ
__________
(1) رَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 495، الْعُقُود الدُّرِّيَّة 2 / 71، وَالْمَبْسُوط 11 / 113، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 340، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 208، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 274، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 105، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 76، وَرَوْضَةُ الطَّالِبِينَ 6 / 327، والقليوبي وَعَمِيرَة 3 / 182، وَالْقَوَانِين الْفِقْهِيَّة ص 379، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 257، وَالإِْشْرَاف لِلْقَاضِي عَبْد الْوَهَّاب 2 / 41، 42، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 117، وَكِفَايَة الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ وَحَاشِيَة الْعَدَوِيّ عَلَيْهِ 2 / 254، وَالْمُغْنِي لاِبْن قُدَامَةَ 9 / 259، وَكَشَّافُ الْقِنَاعِ 4 / 193، وَالْمُبْدِع 5 / 238، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 452.
مِنْ مَلَكَ شَيْئًا بِنَفْسِهِ، مَلَكَ تَفْوِيضَهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَقَدْ مَلَكَ الْوَدِيعُ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ، فَيَمْلِكُ تَفْوِيضَهُ إِلَى غَيْرِهِ. (1)
وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ إِيدَاعِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ عِيَالِهِ فِي الْفِقْرَةِ (26) .
41 - أَمَّا إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي إِيدَاعِهَا عِنْدَ الأَْجْنَبِيِّ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُودِعَهَا عِنْدَ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهَا إِلَى الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ، لأَِنَّهُ أَوْدَعَهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ لِثِقَةٍ مَرْضِيٍّ، فَأَشْبَهَ إِيدَاعَهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَلأَِنَّهُ أَحَدُ سَبَبَيْ حِفْظِهَا، فَكَانَ مُوكَّلاً إِلَى اجْتِهَادِهِ كَالْحِرْزِ (2) .
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى مَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ وُصُولُهُ إِلَيْهِمَا،
__________
(1) الْمَبْسُوط 11 / 113، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 252، وَتَأْسِيس النَّظَر لِلدَّبُّوسِيِّ ص 94، وَاخْتِلاَف الْعِرَاقِيِّينَ 4 / 63.
(2) رَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 495، وَالْبَحْر الرَّائِق 7 / 275، وَالْبَدَائِع 6 / 208، وَالْعُقُود الدُّرِّيَّة 2 / 71، وَالتَّاج وَالإِْكْلِيل 5 / 257، وَالزُّرْقَانِيَّ عَلَى خَلِيلٍ 6 / 117، وَالْكَافِي لاِبْن عَبْد الْبَرّ ص 403، وَبِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 312، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 252.

الصفحة 44