كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

الثَّالِثُ: لِلشَّافِعِيَّةِ، إِنْ سَافَرَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا لِمَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ إِلَى الْحَاكِمِ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا أَوْ إِلَى أَمِينٍ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَذَلِكَ لأَِنَّ مَقْصُودَ الْمُودِعِ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فِي الْمِصْرِ مَحْفُوظًا، يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ، فَإِذَا سَافَرَ الْوَدِيعُ بِهِ، فَاتَ عَلَى صَاحِبِهِ هَذَا الْمَقْصُودُ.
وَلأَِنَّ حِرْزَ السَّفَرِ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الإِْيدَاعَ يَقْتَضِي الْحِفْظَ فِي الْحِرْزِ، وَلَيْسَ السَّفَرُ مِنْ مَوَاضِعِ الْحِفْظِ، لأَِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَوِّفًا أَوْ آمِنًا لاَ يُوثَقُ بِأَمْنِهِ، فَلاَ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ.
فَإِنَّ فَقْدَ الْوَدِيعِ مَنْ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَيَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهَا فِي طَرِيقٍ آمِنٍ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَلِفَتْ، وَذَلِكَ لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ الْوَدِيعُ مَعَ عُذْرِهِ عَنْ مَصَالِحِهِ، وَيَنْفِرُ النَّاسُ مِنْ قَبُول الْوَدَائِعِ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ نَحْوِ حَرِيقٍ أَوْ إِغَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا حِينَئِذٍ، لأَِنَّهُ أَحْوَطُ وَأَحْفَظُ. (1)
الرَّابِعُ: لِلْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهَا، مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا، إِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا
__________
(1) تُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 107 وَمَا بَعْدَهَا، والقليوبي وَعَمِيرَة 3 / 182 وَمَا بَعْدَهَا، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 77.
مِنَ السَّفَرِ، أَوْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا مِنْ إِبْقَائِهَا، وَلَمْ يَنْهَهُ صَاحِبُهَا عَنْهُ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ فَعَل، سَوَاءٌ أَكَانَ بِهِ ضَرُورَةٌ إِلَى السَّفَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، لأَِنَّهُ نَقَلَهَا إِلَى مَوْضِعٍ مَأْمُونٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ نَقَلَهَا فِي الْبَلَدِ، وَلأَِنَّهُ سَافَرَ بِهَا سَفَرًا غَيْرَ مُخَوِّفٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ السَّفَرُ أَحْفَظَ لَهَا مِنْ إِبْقَائِهَا، أَوِ اسْتَوَى الأَْمْرَانِ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، فَإِنْ فَعَل ضَمِنَ. وَكَذَا إِذَا نَهَاهُ رَبُّهَا عَنِ السَّفَرِ بِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ، كَجَلاَءِ أَهْل الْبَلَدِ، أَوْ هُجُومِ عَدُوٍّ، أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا سَافَرَ بِهَا وَتَلِفَتْ، لأَِنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ. فَإِنْ تَرَكَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَلِفَتْ، فَيَضْمَنُ؛ لِتَرْكِهِ الأَْصْلَحَ، (1) وَعَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى سَافَرَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَالِكِهَا أَوْ نَائِبِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَهُوَ مُفَرِّطٌ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، لأَِنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى صَاحِبِهَا إِمْكَانَ اسْتِرْجَاعِهَا، وَيُخَاطِرُ بِهَا. وَلاَ يَلْزَمُ مِنَ الإِْذْنِ فِي إِمْسَاكِهَا عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَضَمَّنُ هَذَا الْخَطَرَ، وَلاَ يُفَوِّتُ إِمْكَانَ رَدِّهَا
__________
(1) شَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 453، 454، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 193 وَمَا بَعْدَهَا، وَانْظُرِ الْمُغْنِي 9 / 261.

الصفحة 51