كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهُوَ أَصَحُّهَا، وَبِهِ حَكَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. إِلاَّ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعُدْوَانِ، مِثْل أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَال نَفْسِهِ، فَيَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ مَال غَيْرِهِ، فَهُنَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بِلاَ رَيْبٍ. (1)
(و) ـ اسْتِقْرَاضُ الْوَدِيعَةِ:
51 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ اقْتِرَاضَ الْوَدِيعِ لِلْوَدِيعَةِ يَجْعَلُهَا مَضْمُونَةً فِي ذِمَّتِهِ عَلَى كُل حَالٍ. وَأَمَّا اقْتِرَاضُهُ مِنْهَا بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ:
فَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَقَالُوا: يَحْرُمُ عَلَى الْوَدِيعِ أَنْ يَتَسَلَّفَ الْوَدِيعَةَ إِذَا كَانَ فَقِيرًا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ أَمْ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ، وَذَلِكَ لِتَضَرُّرِ مَالِكِهَا بِعَدَمِ الْوَفَاءِ، نَظَرًا لإِِعْدَامِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ مُوسِرًا، فَيَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ عَرْضًا قِيمِيًّا، فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَدِيعِ اقْتِرَاضُهَا. قَال الزُّرْقَانِيُّ: لأَِنَّ مِثْلَهُ لَيْسَ كَعَيْنِهِ، لاِخْتِلاَفِ الأَْغْرَاضِ بِاخْتِلاَفِ أَفْرَادِهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَشِرَاءَهُ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا هُوَ مَظِنَّةُ عَدَمِ رِضَاهُ. (2)
__________
(1) مُخْتَصَرُ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّة لاِبْن تَيْمِيَّةَ ص 379، وَمَجْمُوع فَتَاوَى ابْن تَيْمِيَّةَ 30 / 130، والموطأ 2 / 687.
(2) الزُّرْقَانِيّ عَلَى خَلِيل 6 / 115.
وَإِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ نَقْدًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَذَلِكَ لأَِنَّ مِثْلَهُ كَعَيْنِهِ، فَالتَّصَرُّفُ الْوَاقِعُ فِيهِ كَلاَ تَصَرُّفٍ، أَوْ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِمَا هُوَ مَظِنَّةُ أَنْ لاَ يَأْبَاهُ رَبُّهُ، فَلَمَّا لَمْ يُرَدْ لِذَاتِهِ، كَانَ أَخَفَّ مِنَ الْمُقَوَّمِ. وَمَحَل كَرَاهَةِ تَسَلُّفِ النَّقْدِ فِيمَا إِذَا لَمْ يُبِحْ لَهُ رَبُّهُ ذَلِكَ أَوْ يَمْنَعُهُ، بِأَنْ جَهِل، وَإِلاَّ أُبِيحَ فِي الأَْوَّل، وَمُنِعَ فِي الثَّانِي. (1)
وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ، وَأَشْهَدَ عَلَى الاِقْتِرَاضِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ: أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لاَ تَتَعَيَّنُ، فَكَأَنَّهُ لاَ مَضَرَّةَ عَلَى الْمُودِعِ فِي انْتِفَاعِ الْوَدِيعِ بِهَا إِذَا رَدَّ مِثْلَهَا، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا، وَيَتَمَسَّكَ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا، وَلأَِنَّ الْمُودِعَ قَدْ تَرَكَ الاِنْتِفَاعَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، فَجَازَ لِلْوَدِيعِ الاِنْتِفَاعُ بِهَا. وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الاِنْتِفَاعِ بِظِل حَائِطِهِ وَضَوْءِ سِرَاجِهِ.
وَإِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ الأُْخْرَى، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَكْثُرُ اخْتِلاَفُهُ وَلاَ يَتَحَصَّل أَمْثَالُهُ، فَيَحْرُمُ تَسَلُّفُهَا، كَالْقِيمِيَّاتِ، وَإِلاَّ فَيَجُوزُ سَلَفُهَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَال الْبَاجِيُّ: الأَْظْهَرُ عِنْدِي الْمَنْعُ، وَقَدْ عَلَّقَ اللَّخْمِيُّ عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي الْجَوَازِ، فَقَال: وَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْمُودِعِ، فَإِنْ كَانَ
__________
(1) الزُّرْقَانِيّ عَلَى خَلِيل 6 / 115.

الصفحة 54