كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 43)

فَلاَ يَزُول عَنْهُ إِلاَّ بِاسْتِئْمَانٍ ثَانٍ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ: يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالرَّدِّ، لأَِنَّهُ وَإِنْ صَارَ ضَامِنًا بِالإِْخْرَاجِ، فَقَدْ عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، فَبَرِئَ عَنِ الضَّمَانِ. (1)
وَلَوْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ نُقُودًا أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ الَّتِي لاَ يَضُرُّهَا التَّبْعِيضُ، فَأَنْفَقَ الْوَدِيعُ بَعْضَهَا، ثُمَّ هَلَكَ الْبَاقِي، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ، اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُل، وَلاَ يَضْمَنُ الْبَاقِيَ، لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إِلاَّ إِتْلاَفُ قَدْرِ مَا أَنْفَقَ، وَالضَّمَانُ إِنَّمَا يَجِبُ بِقَدْرِ الْخِيَانَةِ، وَقَدْ خَانَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَلأَِنَّهُ فِي الْبَاقِي حَافِظٌ لِلْمِلْكِ، وَبِمَا أَنْفَقَ لَمْ يَتَعَيَّبِ الْبَاقِي، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَتَيْنِ، فَأَنْفَقَ إِحْدَاهُمَا، لاَ يَكُونُ ضَامِنًا لِلأُْخْرَى. (2)
فَإِنْ رَدَّ مِثْل مَا أَنْفَقَ إِلَى مَكَانِهَا، فَقَال
__________
(1) بِدَايَة الْمُجْتَهِدِ 2 / 311، وَالإِْشْرَاف لاِبْن الْمُنْذِر 1 / 255، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 334، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 454، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 195، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ للأتاسي 3 / 258.
(2) مَجْمَع الأَْنْهُر 2 / 342، وَبَدَائِع الصَّنَائِع 6 / 213، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 348، وَالْمَبْسُوط لِلسَّرْخَسِيَ 11 / 111، وَشَرْح الْمَجَلَّةِ للأتاسي 3 / 258، وَالتَّفْرِيع لاِبْن الْجَلاَّب 2 / 271، وَالْمُغْنِي 9 / 277، وَالْمُدَوَّنَة 15 / 147.
الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَضْمَنُ الْكُل ـ إِذَا خَلَطَهُ بِالْبَاقِي خَلْطًا لاَ يَتَمَيَّزُ ـ لِوُجُودِ إِتْلاَفِ الْكُل مِنْهُ: الْبَعْضُ بِالإِْنْفَاقِ، وَالْبَاقِي بِالْخَلْطِ، لِكَوْنِ الْخَلْطِ إِتْلاَفًا.
أَمَّا إِذَا تَمَيَّزَ الْمَخْلُوطُ مِنْ مَال الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالاَنِ، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ الْقَدْرَ الَّذِي لَمْ يُنْفِقْهُ، لأَِنَّهُ بَاقٍ بِحَالِهِ كَمَا كَانَ، وَيَضْمَنُ الْمِقْدَارَ الَّذِي طَرَحَهُ عَلَيْهَا وَحْدَهُ، لأَِنَّ الضَّمَانَ تَعَلَّقَ بِالأَْخْذِ، فَلَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ مَا أَخَذَهُ، بِدَلِيل أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْل رَدِّهِ، فَلاَ يَضْمَنُ غَيْرَهُ. (1)
وَقَال مَالِكٌ: إِذَا أَنْفَقَ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ رَدَّ مِثْل مَا أَنْفَقَ فِي مَكَانِهَا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَلِفَتْ. (2)
وَلَوْ أَخَذَ بَعْضَ دَرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ لِيُنْفِقَهَا، فَلَمْ يُنْفِقْهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا، فَتَلِفَتْ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. لأَِنَّهُ وَإِنْ صَارَ ضَامِنًا بِالأَْخْذِ، فَقَدْ عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ بِرَدِّ مَا أَخَذَهُ إِلَى مَكَانِهِ، فَبَرِئَ عَنِ الضَّمَانِ، وَلأَِنَّ
__________
(1) رَدّ الْمُحْتَارِ 4 / 498، وَالْمَبْسُوطِ 11 / 111، وَالْبَدَائِعِ 6 / 213، وَالْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّة 4 / 348، وَمَجْمَع الأَْنْهُر 2 / 342، وَتُحْفَة الْمُحْتَاج 7 / 122، وَكَشَّاف الْقِنَاع 4 / 197، وَشَرْح مُنْتَهَى الإِْرَادَاتِ 2 / 454، وَأَسْنَى الْمَطَالِب 3 / 80، وَرَوْضَة الطَّالِبِينَ 6 / 336.
(2) الْمُدَوَّنَة 15 / 147، وَالتَّفْرِيع لاِبْن الْجَلاَّب 2 / 271.

الصفحة 59