كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)
فِي الأَْصَحِّ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - وَمُحَمَّدُ ابْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
لَكِنْ قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لَوْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يُنْقَضْ لأَِنَّهَا مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: هُوَ صِحَّةُ وَقْفِ الإِْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ، قَالُوا: لأَِنَّ اسْتِحْقَاقَ الشَّيْءِ وَقْفًا غَيْرُ اسْتِحْقَاقِهِ مِلْكًا، وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ (1) .
ب - أَنْ يَشْتَرِطَ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ:
43 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ أَوِ اشْتِرَاطِ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ الْغَلَّةَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالزُّهْرِيِّ تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ. قَال فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ: مَنْ وَقَفَ شَيْئًا
__________
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 387، والدسوقي 4 / 80، ومغني المحتاج 2 / 380، وشرح منتهى الإرادات 2 / 494، والإنصاف 7 / 17.
عَلَى غَيْرِهِ وَاسْتَثْنَى غَلَّتَهُ كُلَّهَا أَوِ اسْتَثْنَى بَعْضَهَا لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ، أَوِ اسْتَثْنَى غَلَّتَهُ أَوْ بَعْضَهَا لِوَلَدِهِ كَذَلِكَ صَحَّ، أَوِ اسْتَثْنَى الأَْكْل مِنْهُ أَوِ الاِنْتِفَاعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لأَِهْلِهِ أَوِ اشْتَرَطَ أَنْ يُطْعَمَ صَدِيقُهُ مِنْهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً صَحَّ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ.
وَاسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ بِمَا رُوِيَ عَنْ حُجْرٍ الْمَدَرِيِّ: إِنَّ فِي صَدَقَةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُل أَهْلُهُ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُنْكَرِ (1) وَيَدُل لَهُ أَيْضًا قَوُل عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا وَقَفَ: " لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُل مِنْهَا أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ " (2) ، وَكَانَ الْوَقْفُ فِي يَدِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ ثُمَّ بِنْتِهِ حَفْصَةَ ثُمَّ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ، قَال الْحَنَابِلَةُ وَلأَِنَّهُ لَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَامًّا كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَقَابِرِ كَانَ لَهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ فَكَذَا هُنَا.
وَاسْتَدَل أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا بِأَنَّ الْوَقْفَ إِزَالَةُ الْمِلْكِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، فَإِذَا شَرَطَ الْبَعْضَ أَوِ الْكُل لِنَفْسِهِ فَقَدْ جَعَل مَا صَارَ مَمْلُوكًا لِلَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ لاَ أَنَّهُ يَجْعَل مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ
__________
(1) حديث: " حجر المدري: إن في صدقة رسول الله. . ". أخرجه الأثرم كما في المغني لابن قدامة (8 / 191 - ط هجر) .
(2) أثر عمر لما وقف: لا جناح على من وليها. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 392) ، ومسلم (3 / 1255) .
الصفحة 144