كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)

وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ، قَال الدَّرْدِيرُ: يَصِحُّ وَقْفُ الْمَمْلُوكِ وَإِنْ كَانَ مَشَاعًا فِيمَا يَقْبَل الْقِسْمَةَ، وَيُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى الْقِسْمَةِ إِنْ أَرَادَهَا الشَّرِيكُ، أَمَّا مَا لاَ يَقْبَل الْقِسْمَةَ فَفِيهِ قَوْلاَنِ مُرَجَّحَانِ، أَيْ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا، وَعَلَى الْقَوْل بِالصِّحَّةِ يُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى الْبَيْعِ إِنْ أَرَادَ شَرِيكُهُ وَيُجْعَل ثَمَنُهُ فِي مِثْل وَقْفِهِ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ لاَ يُجْبَرُ عَلَى جَعْل ثَمَنِهِ فِي مِثْل وَقْفِهِ (1) .
وَقَدْ حَكَى الْبُنَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الزُّرْقَانِيِّ مَا حَصَّلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَحْبِيسِ الْمَشَاعِ قَال: وَقَدْ حَصَّل ابْنُ عَرَفَةَ فِي تَحْبِيسِ الْمَشَاعِ ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: الْجَوَازُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يَقْبَل الْقِسْمَةَ أَوْ لاَ يَقْبَلُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّ ابْنِ زَرِبٍ.
وَالْقَوْل الثَّانِي: يَتَوَقَّفُ وَقْفُ الْمَشَاعِ عَلَى إِذْنِ شَرِيكِهِ فِيمَا لاَ يُقَسَّمُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بَطَل الْوَقْفُ.
وَالْقَوْل الثَّالِثُ: يَجُوزُ الْوَقْفُ مُطْلَقًا وَيُجْعَل لِحَظِّ الْمُحْبِسِ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ فِي مِثْل مَا حَبَسَهُ فِيهِ وَهُوَ لاِبْنِ حَبِيبٍ عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَوَضَّحَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْفَاسِيُّ قَوْل ابْنِ الْمَاجِشُونِ،
__________
(1) الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي عليه 4 / 76.
فَقَال: هُوَ جَوَازُ الإِْقْدَامِ عَلَى تَحْبِيسِ الْمَشَاعِ مُطْلَقًا انْقَسَمَ أَمْ لاَ وَعَدَمُ التَّوَقُّفِ عَلَى إِذْنِ الشَّرِيكِ، فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الشَّرِيكُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَبْقَى شَرِيكًا فِي الْحَبْسِ أَوْ بِيعَ وَحْدَهُ أَيْضًا عَلَى الإِْشَاعَةِ إِنْ شَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِيعَ وَيُجْبَرُ عَلَى جَعْل الثَّمَنِ فِي مِثْلِهِ.
قَال الْبُنَانِيُّ: وَكَلاَمُ التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَحَل الْخِلاَفِ هُوَ النُّفُوذُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُول، أَمَّا ابْتِدَاءً فَلاَ يَجُوزُ الإِْقْدَامُ عَلَى تَحْبِيسِ مَا لاَ يَنْقَسِمُ دُونَ إِذْنِ الشَّرِيكِ (1) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاؤُهُمْ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْمَشَاعِ فِيمَا لاَ يَقْبَل الْقِسْمَةَ كَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِ، فَلاَ يَضُرُّهُ الشُّيُوعُ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ لاَ يَتِمُّ مَعَ الشُّيُوعِ، لأَِنَّ بَقَاءَ الشَّرِكَةِ فِيهِ يَمْنَعُ الْخُلُوصَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلأَِنَّ الْمُهَايَأَةَ فِيهَا مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ، بِأَنْ يُدْفَنَ الْمَوْتَى فِي الْمَقْبَرَةِ سَنَةً وَيُزْرَعَ سَنَةً، وَيُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي وَقْتٍ وَيُتَّخَذُ اصْطَبْلاً فِي وَقْتٍ بِخِلاَفِ وَقْفِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْمَقْبَرَةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الاِسْتِغْلاَل وَقِسْمَةُ الْغَلَّةِ فَلاَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَقْفِ فِيمَا لاَ يَحْتَمِل الْقِسْمَةَ (2) .
أَمَّا الْمَشَاعُ الَّذِي يَقْبَل الْقِسْمَةَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا
__________
(1) حاشية البناني على هامش الزرقاني 7 / 74.
(&# x662 ;) الهداية 3 / 16، وفتح القدير 6 / 212، والبحر الرائق 5 / 212 - 213، والزيلعي 3 / 324.

الصفحة 170