كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)
فِيهِ: فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَقْفُ الْمَشَاعِ الَّذِي يَحْتَمِل الْقِسْمَةَ كَالْمَشَاعِ الَّذِي لاَ يَحْتَمِل الْقِسْمَةَ وَذَلِكَ لأَِنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَكَذَا تَتِمَتُّهُ، وَأَخَذَ مَشَايِخُ بَلْخٍ بِقَوْل أَبِي يُوسُفَ (1) .
قَال السَّرَخْسِيُّ: لَوْ وَقَفَ نِصْفَ أَرْضٍ أَوْ نِصْفَ دَارٍ مَشَاعًا عَلَى الْفُقَرَاءِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ لأَِنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْقَبْضَ لِلْحِيَازَةِ وَتَمَامُ الْحِيَازَةِ فِيمَا يُقْسَمُ بِالْقِسْمَةِ، ثُمَّ أَصْل الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ فَكَذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الْوَقْفِ، وَهَذَا لأَِنَّ الْوَقْفَ عَلَى مَذْهَبِهِ قِيَاسُ الْعِتْقِ وَالشُّيُوعُ لاَ يَمْنَعُ الْعِتْقَ فَكَذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ الْوَقْفَ (2) وَإِذَا صَحَّ وَقْفُ الْمَشَاعِ الَّذِي يَقْبَل الْقِسْمَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَطَلَبَ الشَّرِيكُ الْقِسْمَةَ فَيَصِحُّ مُقَاسَمَتُهُ لأَِنَّهَا تَمْيِيزٌ وَإِفْرَازٌ ثُمَّ إِنْ وَقَفَ نَصِيبَهُ مِنْ عَقَارٍ مُشْتَرَكٍ فَهُوَ الَّذِي يُقَاسِمُ شَرِيكَهُ، لأَِنَّ الْوِلاَيَةَ لِلْوَاقِفِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى وَصِّيهِ.
__________
(1) الهداية وفتح القدير 6 / 211 - 212.
(2) المبسوط 12 / 36، 37.
وَإِنْ وَقَفَ نِصْفَ عَقَارٍ خَالِصٍ لَهُ فَالَّذِي يُقَاسِمُهُ الْقَاضِي، أَوْ يَبِيعُ نَصِيبَهُ الْبَاقِي مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ يُقَاسِمُهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِي ذَلِكَ مِنْهُ، لأَِنَّ الْوَاحِدَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُقَاسِمًا وَمُقَاسَمًا.
وَلَوْ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ فَضْل دَرَاهِمَ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ النِّصْفَيْنِ أَجْوَدَ مِنَ الآْخَرِ فَجُعِل بِإِزَاءِ الْجَوْدَةِ دَرَاهِمُ فَإِنْ كَانَ الآْخِذُ لِلدَّرَاهِمِ هُوَ الْوَاقِفَ بِأَنْ كَانَ النِّصْفُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْوَقْفِ هُوَ الأَْحْسَنَ لاَ يَجُوزُ، لأَِنَّهُ يَصِيرُ بَائِعًا بَعْضَ الْوَقْفِ وَبَيْعُ الْوَقْفِ لاَ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الآْخِذُ شَرِيكَهُ بِأَنْ كَانَ نَصِيبُ الْوَقْفِ أَحْسَنَ جَازَ، لأَِنَّ الْوَاقِفَ مُشْتَرٍ لاَ بَائِعٌ، فَكَأَنَّهُ اشْتَرَى بَعْضَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ فَوَقَفَهُ (1) .
وَلاَ يَجُوزُ وَقْفُ الْمَشَاعِ الَّذِي يَقْبَل الْقِسْمَةَ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، لأَِنَّ أَصْل الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ، فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ الْقَبْضُ، قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: لَمَّا شَرَطَ مُحَمَّدٌ الْقَبْضَ مَنَعَهُ - أَيِ الْوَقْفَ - لأَِنَّ الشُّيُوعَ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالْقَبْضِ - أَلاَ تَرَى أَنَّ الشَّائِعَ كَانَ مَقْبُوضًا لِمَالِكِهِ قَبْل أَنْ يَقِفَهُ - لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ، فَلِذَا مَنَعَهُ مُحَمَّدٌ عِنْدَ إِمْكَانِ تَمَامِ الْقَبْضِ وَذَلِكَ فِيمَا يَحْتَمِل الْقِسْمَةَ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَسَّمَ أَوَّلاً ثُمَّ يَقِفُهُ، وَإِنَّمَا أَسْقَطَ مُحَمَّدٌ اعْتِبَارَ تَمَامِ الْقَبْضِ عِنْدَ عَدَمِ الإِْمْكَانِ
__________
(1) الهداية 3 / 16، وفتح القدير 6 / 220 - 221.
الصفحة 171